سطور وكلمات من «أرض الميعاد» لباراك أوباما

سطور وكلمات من «أرض الميعاد» لباراك حسين أوباما
سطور وكلمات من «أرض الميعاد» لباراك حسين أوباما

يردد بعض الخبثاء أن موعد إطلاق "أرض الميعاد " بقلم باراك حسين أوباما، الثلاثاء القادم، ما هو إلا ردا بسيطا على هجوم واعتداء الرئيس دونالد ترامب، عليه طوال فترة حكمه.

والكتاب الذي سطر في سبعمائة صفحة ويضم العديد من الذكريات واللقاءات والأحداث، لم يذكر غير واقعة وحيدة جمعت بين الرجلين، في اللحظات الأخيرة من المذكرات خلال العشاء السنوي لجمعية مراسلي البيت الأبيض، أثناء تولي أوباما مقاليد البلاد، ظهر فجأة في دائرة الضوء شخصية رجل العقارات ونجم تلفزيون الواقع. إنه ترامب، الرئيس التالي للولايات المتحدة، في هذه الليلة من عام 2011، سخر أوباما من مؤامرات الاعتداء على جنسيته الأمريكية، وكان معروفا للجميع إنه مسؤول تأجيج سنوات من التشكيك في جنسيته، والتقطت الكاميرات ترامب، وهو بالكاد يبتسم وسط هدير الضحك. ويبدو أن دونالد ترامب، لم ينس تلك الليلة. 

وتتمتع الصفحات الـ 200 الأولى من مذاكرات "أرض الميعاد" بسيرة ذاتية شديدة النعومة والدفء، ورحلة بزوغ نجم أوباما، في عالم السياسة، والتي جاءت عندما تلقى مكالمة هاتفية من واشنطن. سأل صوت عما إذا كان مهتمًا بإلقاء الخطاب الرئيسي في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في ذلك الصيف في بوسطن. انتهز باراك أوباما تلك الفرصة للتحدث إلى المؤتمر. بدأ قائلا "دعونا نواجه الأمر". ليس هناك أمريكا ليبرالية وأمريكا محافظة هناك الولايات المتحدة الأمريكية ". ولم يلبث أن تم انتخابه لمجلس الشيوخ الأمريكي في ذلك الخريف، وكان الناس في واشنطن يتساءلون عن موعد ترشحه للرئاسة.

لطالما أثار الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة التساؤلات حوله، فهو أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي، ولديه قوة مغناطيسية تجذب من حوله، قد تتفق أو تختلف مع سياسته، ولكنك لا تستطيع أن تنكر عليه حضوره الطاغي، وحديثه الشيق السلسل، وكتابه لا يختلف كثيرا عنه، تشعر معه إنك تستمع له وهو جالس معك في حوار حميمي صادق، وعبارات أدبية رشيقة.

تنقلنا السيرة الذاتية للرئيس أوباما والتي تلمس فيها كشف حساب ذاتي، إلى فترة مراهقته، وأزمات الهوية الجامعية إلى تنظيم المجتمع في شيكاغو ثم كلية الحقوق بجامعة هارفارد. حيث التقى بميشيل روبنسون، في مكتب محاماة، وعمل وصنع حياة في سنوات من الازدهار في التسعينيات. وقصة حبهما، التي بدأت كأصدقاء وزملاء العمل، وانتهت بالارتباط المقدس، ويسفر حبهما عن أبنتان هما ساشا وماليا.

ويتجلى عمق حبهما لبعضهما البعض وتفاهمها في الحوار الذي سبق قراره للترشح للرئاسة، وخوف ميشيل وترددها من التجربة. سألته أخيرًا لماذا يتعين عليه الترشح بينما تتنافس هيلاري كلينتون والعديد من الديمقراطيين الآخرين الذين هم أكثر شهرة وأكثر خبرة. ويجيب "أعلم" أنه في اليوم الذي أرفع فيه يدي اليمنى وأقسم اليمين لأكون رئيسًا للولايات المتحدة، سيبدأ العالم في النظر إلى أمريكا بشكل مختلف. 

 

أعرف أن الأطفال السود في جميع أنحاء هذا البلد ، والأطفال من أصل إسباني، سيرون أنفسهم بشكل مختلف أيضًا ... وهذا وحده ... سيكون الأمر يستحق ذلك ". تتراجع ميشيل قائلة: "حسنًا عزيزي، كانت تلك إجابة جيدة جدًا." 
وبعيدا عن الجانب الإنساني في هذه السيرة الذاتية، يأتي الجزء الأكبر من الكتاب في سرد الأزمة تلو الأزمة للسنتين الأولين لأوباما في المنصب. يتضمن بعضها قضايا طويلة الأمد مثل الهجرة وحقوق المثليين والإجهاض. يتضمن بعضها قرارات المحكمة العليا، والتي سعد بتعيين قاضيتين بها، إلينا كاجان وسونيا سوتومايور. ويظهر على صفحات الكتاب تقديره البالغ لدور المرأة، فإلى جانب ميشيل، هناك جدته ووالدته وكل لعب دورا في حياته، ربما يكون هذا هو السبب، وراء حذرًه جدًا لكراهية النساء. وعلى أرض الواقع، يقوم بتعيين النساء في إدارته، ويتدخل بشكل حاسم عندما تشكو الموظفات من السلوك الكاره للمرأة من الموظفين الذكور.

 

 

كما أنه يتحين الفرصة ليذكر ويتبادل الفضل مع الرجل الذي جعله نائبًا له في الترشح في صيف عام 2008. من أول إشارة إلى الأمام، جوزيف آر بايدن جونيور هو "جو" يكتب أوباما: "إذا كان يُنظر إليّ على أنني مزاجي رائع، فإن جو كان كل الدفء، رجل بلا موانع، سعيد بمشاركة كل ما في رأسه." يظهر بايدن مرة أخرى في لحظات حاسمة في السرد، منها عندما ساعد على تمرير العديد من القوانين في مجلس الشيوخ، وأيضًا بشأن ما أصبح سريعًا يسمى "أوباما كير". إنه موجود أيضًا في نقاشات السياسة الخارجية، غالبًا كمعارض." جو بايدن رجل محترم وصادق ومخلص يشعر أوباما بأنه "قد يصاب بالضيق إذا اعتقد أنه لم يعط ما يستحقه، وهي أمر قد يندلع عند التعامل مع رئيس أصغر سنا بكثير.


يركز أوباما على الجزء الأول من رئاسته وصراع التوازن فيشير إلى مفاوضات لا نهاية لها تسحب الاقتصاد من حافة الانهيار في أوائل عام 2009، ثم ينتقل إلى الجهود الجبارة اللازمة لنقل قانون الرعاية الميسرة في مارس 2010. حيث واجه أوباما، مقاومة من الجمهوريين واستياء بين الديمقراطيين. ينجو الاقتصاد من أزمة الرهن العقاري وأزمة الائتمان، ولكن يُنظر إلى البنوك الكبرى في وول ستريت والمصرفيين وهم يفلتون بسهولة. ثم التوسع في التأمين الصحي، ولكن بدون نظام حكومي.

  
يشير الى أي مدى شعر البعض بالإهانة عندما اجتذب حشودًا كبيرة في أوروبا، بينما كان لا يزال مرشحًا للرئاسة ثم حصوله على جائزة نوبل للسلام لمجرد انتخابه. وإلي الكثير من الأشخاص الذين لم يتخطوا أبدًا شعورهم بالفزع من وجود رجل أسود في البيت الأبيض.

وينطلق في السيرة الذاتية إلى دائرة المعارف التي تتوسع عبر الأيام والمواقف في عبارات لاذعه ونقدية سريعة وبصيرة نافذة، من إميلي ذات الوجه الحجري، موظفة في حملة ولاية أيوا، يذكره فلاديمير بوتين برؤساء الأقسام الأقوياء وذكي الشارع الذين اعتادوا تشغيل آلة شيكاغو. أما بنيته الجسديًة، كان غير ملحوظ"، وزير الدفاع بوب جيتس، ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج، يتمتعان بنوع من النزاهة غير الفعالة.

بينما يتمتع الجنرال ستانلي ماكريستال، بأسلوب "شخص أحرق العبث والإلهاء حياته". راهول غاندي لديه "صفة عصبية غير متشابهة عنه، كما لو كان طالبًا قد أنهى واجباته الدراسية وكان حريصًا على إقناع المعلم ولكنه كان يفتقر إلى الكفاءة أو الشغف لإتقان المادة. كان تشاك جراسلي "يتكلم عن هذه المشكلة أو تلك التي يواجهها مع الفاتورة دون أن يخبرنا بما ستطلبه الأمر بالضبط للحصول على الموافقة". لم يكن لدى سارة بالين "أي فكرة عما كانت تتحدث عنه بحق الجحيم. 

ميتش ماكونيل، يفتقر إلى الكاريزما أو الاهتمام بالسياسة الذي عوضه أكثر من الانضباط والذكاء والوقاحة. نيكولا ساركوزي، وصفه، بالجريء والانتهازي، ليندسي جراهام هو الرجل في فيلم التجسس أو السرقة "الذي يتخطى الجميع لإنقاذ بشرته". هاري ريد فظ ولائق وصادق.  وهو من قال له يوما ما "يمكنك الفوز". أما تيد كينيدي، الذي قال له ناصحا "أنت لا تختار الوقت، الوقت من اختيارك. 
معجب بالسياسة الخارجية لجورج دبليو بوش وإدارة نهاية حرب الخليج. لم يؤيد حرب العراق بل يعتبر أفغانستان حرب ضرورة. يرى أن الجمهوريين أفضل في القتال من أجل الفوز.


ويلتقي ديفيد أكسلرود الذي سيكون "آكس" في مشوار صعوده، وهو المراسل الصحفي السابق الذي أصبح مستشارًا سياسيًا، ومدير الحملة ديفيد بلوف، و "ميمو ماستر" بيت روس، والمتحدث روبرت جيبس، ويتحدث عن نانسي بلوسي، ويقول عنها إنه يحبها، ويزيد على ذلك ضاحكا، قد يشعر زوجها بالغيرة من فترات تواصلنا معا.


ويشير في "أرض الميعاد" إلى العاصفة النارية حول جلب خالد الشيخ محمد وأربعة متآمرين آخرين من هجمات 11 سبتمبر إلى نيويورك لمحاكمتهم. والشجار حول بناء "مركز للجالية الإسلامية" ومسجد بالقرب مما كان يعرف باسم جراوند زيرو، الموقع السابق لأبراج مركز التجارة العالمي التي دمرت في تلك الهجمات. 

ويصل بنا لمرارة السياسة وألاعيبها في إشارة إلى ما تجرعه في انتخابات التجديد النصفي. عندما خسر الديمقراطيون 63 مقعدًا في مجلس النواب وهي أسوأ هزيمة لهم منذ 72 عامًا. 

في الفصل الأخير يصل بنا لمطاردة أسامة بن لادن في الغارة وقتله في مايو 2011. يصف ساعات التوتر بينما ينتظر أوباما وفريقه للأمن القومي معرفة مصير البعثة العسكرية الموكول لها المهمة، ولا ينكر فضل أحد ويسند النجاح لأصحابه. وها هو الأدميرال ويليام ماكرافين، جندي البحرية السابق الذي خطط للضربة ونفذها.

"أرض الميعاد " عنوان الكتاب كناية كاشفة في حد ذاتها عن قوة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلم الحالمين، يتمتع بعبارات رشيقة وأحداث مثيرة وكلمات لاذعة وتاريخ سطر بيد صاحبة وهو المسئول عن تفاصيله، ولكنه في النهاية شهادة للتاريخ، له جزء ثاني قد ينتظره الكثيرين.