بدرخان والجونة.. سيما مش أونطة

محمد الشماع
محمد الشماع

كتب محمد الشماع :

هل يحتاج علي بدرخان دعوة حضور لمهرجان الجونة؟

نعم مثلما قرأت يا عزيزي في السؤال ، أريد أن أطرح هذا السؤال على الكل، على المخرج علي بدرخان نفسه، وعلى إدارة مهرجان الجونة السينمائي ومديره الفني، بل على الوسط السينمائي كله.

هل دعوة/ عدم دعوة المخرج الكبير لحضور فعاليات مهرجان المنتجع السياحي الجميل لها علاقة بتوقيعه على بيان مثقفين رافضين لتكريم ممثل فرنسي داعم للصهيونية؟. بقدر صدمة السؤال، بقدر صدمة ما ذهب إليه المدير الفني للمهرجان، الذي خرج في برنامج فضائي ليؤكد أن اعتراض بعض المثقفين والسينمائيين على تكريم "الجونة" للممثل ديبارديو، مزايدة سياسية، بل أن البعض شارك في هذا الرفض لأن إدارة المهرجان لم توجه له دعوة لحضور فاعلياته.

لم يقصد المدير الفني للمهرجان شخصاً بعينه بالتأكيد، فربما كان يقصد المخرج الكبير علي بدرخان، أو مخرجين ونقاد وفنانين من ذوي الموهبة والتاريخ الثقيلين ممن وقعوا على البيان ومنهم محمد فاضل مثلاً، وربما قصد صحفيين ونقاد يهرولون نحو حضور فعاليات المهرجان - وأي مهرجان - لقضاء أسبوع من المتعة في مشاهدة النجوم وفساتينهم المثيرة أو الاستجمام بما يحويه منتجع الجونة من مناظر ومشاهد سياحية خلابة، أو مشاهدة الأفلام السينمائية المنتقاة - للحق - بعناية وفهم، وهذا أضعف الإيمان.

ربما قصد المدير الفني للمهرجان هؤلاء جميعاً، أو فئة منهم، لكنه تحدث عن أن موقف المهرجان الرسمي إزاء المسألة هو عدم التعليق، ولكنه أراد أن (يجوِّد) طارحاً رأيه الخاص، متهماً بعض ممن هاجموا دعوة الممثل الفرنسي للتكريم، بالمزايدة على القضية الفلسطينية، وزاد في تجويده عندما تحدث عن بدرخان ليذكّره بموقفه من تأييد الإخوان منذ سنوات، وتناسى أن المخرج الكبير نفسه كان في مقدمة صفوف المدافعين عن مصر في وجه الجماعة الإرهابية الفاشية، أثناء اعتصام وزارة الثقافة في 2013.

ارتكب المدير الفني عدة أخطاء، ربما لحداثة سنه، فهو مولود في 1979، أي بعد عام من إخراج علي بدرخان لفيلم "شفيقة ومتولي" وقبل عامين من عرض فيلم "أهل القمة" لبدرخان أيضاً، فقد ذكر أن المهرجان غير سياسي، ربما يكون هذا الأمر صحيحاً، ولكنه تحدث في السياسة عندما هاجم علي بدرخان. ذكر أن تكريم نجم سينمائي لا يعني بالضرورة التفتيش في مواقفه وحياته السابقة، إذن على أي شئ تم اتخاذ القرار بالتكريم مادمتم لا تعرفون عن نجومكم المكرمين شيئاً، أخيراً ذكر أن الحملة مغرضة ولا تستهدف مسألة التكريم قدر استهدافه للمهرجان، ولكن هل صعد محمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الحالي أو مديره الفني السابق الناقد الراحل يوسف شريف رزق الله ليقولا نفس الكلام عندما اعترض البعض على تكريم المخرج الفرنسي كلود ليلوش لنفس الأمر؟. هل قالا إن الهدف هو مهرجان القاهرة لا التكريم؟!

لابد هنا من التسليم بأن هناك موقف ثقافي وشعبي عام ضد التطبيع، وضد الصهاينة وداعميهم على مستوى العالم، وعلى الجانب الآخر هناك معاهدة سلام بين مصر والكيان المحتل، فالأمر شائك وليس بهذه السهولة، ولكن إذا كان الموقف - أي موقف - سيخلق حالة من الجدل والخلط، فالأفضل هو عدم العناد والمكابرة، مثلما فعل مهرجان القاهرة منذ سنتين، فنجوم الدنيا لم ينتهوا، وهناك الكثير للغاية ممن ساهموا في إثراء السينما غير ديبارديو، بل ربما أهم منه ألف ألف مرة.

قرار تكريم الممثل الفرنسي سيظل نقطة غير مضيئة في تاريخ المهرجان القصير، ولكن إذا مرت الأمور هذا العام بخير فأدعو المهرجان وإدارته في العام المقبل أن يقرأوا قليلاً عن الشخصيات المكرمة، ومواقفها، و"ترجمة جوجل" موجودة وتاحة إذا كان البعض منهم غير ضليع في الإنجليزية أو الفرنسية، وإن كنت أشك.

في سنة 1981، أي بعد عام ميلاد المدير الفني لمهرجان الجونة بعامين كان هناك موقف مشابه لهذا الأمر، فقد أشيع بين المثقفين أن معرض الكتاب برئاسة الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور سيستضيف جناحاً إسرائيلياً، وبالفعل كانت هناك ضجة كبيرة من قبل المثقفين آنذاك وصلت حد التظاهر في المعرض ما عرض كثير منهم للسجن، وقد حكي الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسى في بعض أحاديثه عن هذه الواقعة التي كان هو نفسه أحد أبطالها، ذاكراً أن الأمر لم يعد كونه عرض جناح دولة أوروبية لمجموعة مؤلفات أصحابها كتاب إسرائيليون، وبسبب هذا الأمر هاجم المثقفون بشدة عبدالصبور وموقفه الذي وصفوه بالداعم للكيان الصهيوني، فما كان من قلب الشاعر الكبير وضميره - وهو معروف بولائه للقضية العربية الفلسطينية - إلا أن يتوقف بعد شهور من انطلاق المعرض، وانطلاق الهجمات الكلامية تلك.