يوميات الأخبار

35 عاما..مع الأخبار

د. خالد القاضى
د. خالد القاضى

كنتُ اعتذر عن الإجازات الاعتيادية وأواصل العمل العسكرى حبًا ورغبة وإرادةً لخدمة وطنى فى أشرف حصون الجبهات والقلاع.

هذا هو مقالى الأول فى باب يوميات الأخبار.. بعد علاقة ممتدة مع الأخبار منذ عام 1985.. أى 35 عامًا.. وقد شرفنى الصديق العزيز الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ خالد ميرى رئيس تحرير الأخبار بكتابة مقال شهرى بالباب الأشهر فى الصحافة المصرية عبر عشرات السنين (يوميات الأخبار).. وتواصل معى الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ محمد درويش مدير التحرير واتفقنا على تحديد الجمعة الثانى من كل شهر بإذن الله تعالى.
وفى الحقيقة.. فإننى أستشعر بمسئولية مزدوجة للكتابة فى هذا الباب.. أولها تجاه قارئ الأخبار الكريم. الذى له خصوصية وتفرد اعتاد عليها منذ عهد المؤسسين الأولين.. الرواد العظماء، على. ومصطفى أمين.. ومرورًا بكتاب كبار لهم اسمهم ووزنهم الفكرى والثقافى.. وثانيها تجاه أجيال متعاقبة من الصحفيين الأعزاء الذين جمعتنى بهم صداقة منذ أكثر من 35 عاماً بعد أولويتى على الثانوية العامة عام 1985 وكتبتْ حينها العظيمة الأستاذة كريمة عبد الرازق عنوانًا أساسيًا (الحقوق فى الطريق إلى القمة) وكذلك باب «أخبار الجامعات» للقدير الأستاذ محمود عارف.. ولا أنسى التحقيق الصحفى الرائع حول رسالتى للدكتوراه للراحل الوقور الأستاذ محمد إمبابى المعنون «دكتوراه فى قضايا الشعوب».. ويقينًا.. التغطيات الصحفية للتحقيقات فى النيابة العامة والأحكام القضائية التى تولتها المبدعة الأستاذة خديجة عفيفى (رحمهم الله جميعًا).
وتوالت مساهماتى فى إصدارات مؤسسة أخبار اليوم المتنوعة؛ فى مختلف المنتجات الصحفية من أخبار وتغطيات وحوارات ومقالات. وتوطدت علاقاتى مع رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير وصحفيين وموظفين وعمال أصدقاء أعزاء حتى الآن.. رحم الله من انتقل منهم لرحمة الله.. وأدام على الأحياء منهم الصحة والسعادة والعطاء.
تعلمتُ من هؤلاء.. حب مصر
أسرتى والنشأة.. فقد نشأتُ فى أسرة مصرية صعيدية.. كنتُ ذاك الطفل الذى عشق الوطنية وحب مصر فى سنواته الست الأولى.. منذ عام 1967 الذى كان يلفظ أنفاسه بدخان النكسة الأسود.. وبلاده تستعد لعبور أصعب مرحلة فى تاريخها المعاصر. إزالة آثار العدوان. الاستنزاف. البيانات المتوالية بصوت صبرى سلامة وأحاديث حمدى الكنيسى.. إلى العبور العظيم فى 1973.. ومع دخولى السنة الأولى الابتدائية طفلاً يقظاً متحمساً.. شامخ الرأس.. مرفوع الهامة.. منتصرًا على العدو الذى لا يُقهر.. كانت مصر حاضرة أبدًا فى وجدانى وكيانى.. كان أبى - رحمه الله - يغرس بداخلى قيمة الوطن والفداء له.. وكانت تسود فى مجتمعاتنا روح الوطنية الجارفة والعشق الأزلى الأبدى لمصرنا الغالية.. كنا نتغنى ليل نهار بأغان وطنية - مع والدتى رحمها الله وأسرتى - شدا بها عمالقة الفن والطرب مثل عاش اللى قال للرجال عدو القنال. والنجمة مالت على القمر لعبد الحليم حافظ. ويا مصر يا أم الدنيا وبحب عشانها الدنيا لفريد الأطرش.
 شرفُ الجندية.. فى الجيش المصرى.. فقد تشرفتُ بالخدمة العسكرية الإلزامية جنديًا بالجيش المصرى لمدة سنة وشهر و19 يوما. وذلك بعد تخرجى فى كلية الحقوق عام 1989. بسلاح الدفاع الجوى قيادة المنطقة الجنوبية العسكرية.. تعلمتُ خلالها كيف أحب مصر بالفداء والتضحية بالروح والدم وليس بالشعارات والادعاءات.. بدأت من مركز تدريب دهشور مصنع الرجال وبحق.. انتظمتُ فى تدريبات رياضية وعسكرية متواصلة.. مع غرس قيم الوطنية والرجولة والواجب.. وقد تأصلت وتواصلت معانى حب مصر فى وجدانى وكيانى طوال فترة خدمتى العسكرية.. إلى الحد الذى كنتُ اعتذر فيه عن الإجازات الاعتيادية وأواصل العمل العسكرى حبًا ورغبة وإرادةً لخدمة وطنى فى أشرف حصون الجبهات والقلاع.. بمشاعر تملؤها معاني العزة والمجد والفخار.. مما أدهش زملائى وقياداتى.. وفى نهاية خدمتى فوجئت بقائد اللواء حينها المغفور له اللواء عادل طرفة يمنحنى (شهادة مقاتل). فضلاً عن شهادة القدوة الحسنة التى حصلتُ عليها مع سائر زملائى جنود مصر البواسل.
 أيام لها تاريخ.. 11 سبتمبر
فى يوم 11سبتمبر عام 1986.. تم توقيع مشارطة التحكيم بين مصر وإسرائيل فى خلاف حدودى حول 14علامة على طول الخط الفاصل من رفح شمالا. حتى طابا جنوبًا.. ونجحت مصر فى تلك المشاركة فى تحديد مهمة محكمة التحكيم فى الكشف عن موضع علامات الحدود التى يحددها أى من الطرفين.. وليس للمحكمة اقتراح حلول توفيقية.. مما حسم القضية لصالح مصر فى معظم تلك العلامات.. وعادت.. "طابا مصرية" فأصدرتُ عنها كتابًا عام 2000 فاز بجائزة الدولة.
فى يوم 11 سبتمبر عام 2001.. استيقظ العالم على خبر هجمات طائرات مدنية تجارية صوب برجى التجارة العالمية بمنهاتن فى نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية.. ما أسفر عنه وقوع آلاف الضحايا والمصابين.. وقد نجم عن تلك الأحداث تغيير محورى فى العلاقات الدولية.. وأنجانى المولى عز وجل من موت محقق.. «موعد طائرة لم ألحق بها»!!
شخصيات مصرية وطنية..
(عم الحاج زرزور..) نموذج للفلاح المصرى الأصيل.. من إحدى قرى صعيد مصر.. عرفتُه فى فترة مبكرة من حياتى.. ورغم أميته الكتابية.. إلا أنه يملك قدرات مذهلة على التحليل والتأصيل والذاكرة الوطنية الفذة.. وكانت لديه موهبة فطرية على قراءة الأحداث الوطنية الكبرى.. أذكر منها مثلا تأكيده على عدم جفاف ماء النيل مهما كانت الأسباب.. ليقينه الثابت بوعد المولى عز وجل بحفظه لمصر وشعبها.. فكان يكرر "مصر مش حتعطش.. لن يخذلنا الله".
(عبد المجيد محمود..) لا أدرى ما سر هذا الرجل.. وما قدر اليقين والثبات الانفعالى الذى يتميز به.. فقد بدأ حياته كغيره من آلاف أعضاء النيابة العامة والقضاة الأجلاء.. ثم شغل منصب النائب العام منذ عام 2006 إلى نوفمبر 2012 حين صدر إعلان دستورى (منعدم). يقضى بعزله من منصبه.. ولكنه لم يهن ولم يحزن ولم يستسلم.. بل اعتصم بالقانون والقضاء فى ساحات المحاكم..ومعه الآلاف من القضاة الشرفاء الذين اجتمعوا فى دار القضاء العالى فى مشهد وطنى مهيب.. وبعد جلسات نظر دعوى المستشار الدكتور عبد المجيد محمود أمام القضاء. وبتوفيق الله سبحانه وتعالى. صدر حكم قضائي بات ونهائى من محكمة النقض فى 3 يوليو 2013 بعودته لمنصبه نائبًا عامًا لمصر. ليثبت للقاصى والدانى أن سبيل استيداء الحقوق هو القانون والقضاء الشامخ.
(إيناس عبد الدايم..) ليس بوصفها وزيرة ثقافة فقط..بل مناضلة وطنية - كما هو عبد المجيد محمود - والتى تصدت بكل وطنية وبطولة لقرار إقالتها من رئاسة دار الأوبرا فى مايو عام 2013 زمن حكم الجماعة المارقة. مؤكدة أنه لا يمكن لأى قوة فى العالم أن تهدم ثقافة أو قوة مصر. ولأول مرة فى تاريخ مصر المعاصر يرفض مثقفو مصر وفنانوها.. فرض سياسة الأمر الواقع.. وانتصروا فى معركة التنوير. وانبلج الصبح المضىء بثورة 30 يونيو 2013 وعادت إيناس عبد الدايم لذات موقعها رئيسة للتنوير والإبداع «دار الأوبرا المصرية».. قلعة الفنون الرفيعة فى مصر المعاصرة.
(كرم جبر..) وكما يقولون فشهادتى فيه مجروحة.. حيث عرفتُه فى مؤسسة روز اليوسف قبل نحو 18 عامًا.. وكان مديرًا لتحرير المجلة (قبل عودة الجريدة للصدور عام 2005).. وكان الصحفى الكبير الأستاذ محمد عبد المنعم رئيسًا لمجلس الإدارة والتحرير. وسبب ترددى على المؤسسة هو طباعة مجلة «التشريع» التى كانت تصدر عن وزارة العدل وكنتُ مديرًا لتحريرها.. واستمرت صداقتى بمعظم - إن لم يكن كل - هيئات التحرير والإدارة والإصدارات.. حتى اليوم.. وسر إعجابى بهذا الرجل فى مقام الوطنية.. هو ما تعرض له من مؤامرات وأحقاد ودسائس. فى أعقاب أحداث يناير 2011. حين كان رئيسًا لمجلس الإدارة.. فما لانت له قناة.. بل كان حكيمًا رائعًا... وظل على دأبه الوطنى ومنهجه المصرى.. فعاد عام 2017 رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة.. ثم مؤخرًا؛ رئيسًَا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
ويبقى القانون..
وهو منبع.. ومآل كل القيم والمبادئ الوطنية الكبرى.. فقد صدحت المادة الأولى من الدستور المصرى 2014 - كمعظم الدساتير المصرية السابقة - بمصرية الدولة ووطنيتها ووحدة أراضيها بقولها: «جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة. موحدة لا تقبل التجزئة. ولا ينزل عن شيء منها. نظامها جمهوري ديمقراطى. يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون».
هذا هو دستور وطنى.. مصر المحروسة.. أمس واليوم وغداً.