القارئ وأنا

جدى وعبد الناصر

إســلام ديــاب
إســلام ديــاب

إســلام ديــاب

فى 13 فبراير 1935، تظاهر طلاب الجامعة وتلاميذ المدارس وساروا من الجيزة إلى القاهرة وهم يهتفون «تسقط إنجلترا»، «الموت لصموئيل هور»، «يسقط نسيم باشا»، «نريد دستور 1923»، واصطدموا بالبوليس وسقط ضحايا وجرح كثيرون من الجانبين، وشهدت ساعات الظهيرة مشهدًا داميًا.. فتح كوبرى عباس وسقط عشرات من الطلبة فى النيل، وغرقوا ورصاص الإنجليز يحصد من بقوا على الشاطئين، لكن جمال عبد الناصر-الطالب الثانوى الذى أصبح رئيسًا لمصر- لم يستمع لتحذيرات زملائه، واستأجر مركبًا نيلية، وانطلق مع بعض رفاقه ليعبر إلى طلبة الجامعة يشاركهم ثورتهم لكن رصاصا ظل يحصد الطلبة فى المركب.. وانتهى اليوم الدامى بجمال يذهب إلى مسكنه فى حارة خميس العدس يعد الطعام من قروشه القليلة ويحمله ليلًا إلى رفاقه الذين سجنهم البوليس فى قسم الموسكى..
لتنتهى الليلة بمشهدٍ قاسٍ كان عبد الناصر بعد أن حمل الطعام لرفاقه فى القسم أسرع ليحضر اجتماعًا للطلبة فى بيت سعد زغلول بمناسبة عيد الجهاد، وهناك حدث صدام آخر برجال البوليس، لكن أحد الضباط الإنجليز لاحظ جمال ظل يتبعه وعرف أن هذا الشاب الطويل، الصلب، هو محرك الطلبة الأساسى، وأنه «سر» كل متاعب ومشاكل الإنجليز، فأطلق عليه رصاصة قصد بها رأسه ليتخلص منه لكن شاء القدر أن تمر الرصاصة فى فروة رأس جمال، وتفجر دمه غزيرًا، ترك ندبًا فى جبهته بقية حياته طوله 3 بوصات على يسار جبهته قليلًا وأسفل شعر الرأس مباشرة، وكان يتخذ شكل الهلال وأسرع الطلبة يحملون جمال إلى دار الشفاء جريدة الجهاد لصاحبها جدى الأكبر الكاتب الصحفى الكبير توفيق دياب ليكون هذا هو اللقاء بين جدى والزعيم جمال عبد الناصر والذى تبعه لقاءات عديدة بعد ذلك، لتخرج صحيفة الجهاد فى اليوم التالى 14 نوفمبر 1935 تحمل فى صدر عددها هذا النبأ: «التصادم فى السرادق» وحملت أسماء الجرحى ومن بينهم اسم الطالب جمال عبد الناصر وكانت هذه أول مرة يذكر فيها اسم «عبد الناصر» فى الصحافة..
كانت تلك الواقعة التاريخية بكتاب يحمل عنوان «بقلم جمال عبد الناصر» لـ د. خالد عزب الذى استعرته مؤخرًا من مكتبة أخبار اليوم، والتى ذكرتها العديد من الكتب والمراجع التاريخية.. وما أحزننى أن تفرغ المكتبة الكبيرة التى تحمل اسم توفيق دياب داخل النقابة التى أشرف بالانتماء لها «نقابة الصحفيين» من أى كتاب يحمل اسم توفيق دياب أو يتناول سيرته، ليكون مثالًا يحتذى به شباب الصحفيين لكاتب كبير بذل العمر والجهد والمال ليدافع عن حق مصر فى الاستقلال من سلطة الاحتلال وفساد القصر.