كلمات عابرة

سراديب عباس!

حمدي حامد
حمدي حامد

يحتاج استخراج لآلئ الأدب العربى وبيان جوانب الروعة فيها لغواص ماهر يمتلك الأدوات اللازمة لذلك، فإذا امتلك الناقد الأدبى ناصية اللغة ورشف من ينابيع الأدب قديمه وحديثه ورُزق ملكة الذوق السليم فثق بأن ما سيقوله أو يكتبه سينفع الناس ويمكث فى الأرض.


هذه المعانى تراقصت أمامى وأنا أقلِّب صفحات كتاب "سراديب الدهشة" للزميل عبدالهادى عباس فإذا به يخطفنى أسيرًا لموضوعات كتابه الجذابة ولغته الرصينة..


تناول عباس عددًا من القضايا الأدبية تنتمى لعصور وأماكن شتى للأدب العربى، استطاع ببراعة أن يوجِد بينها خيطا رفيعا غزلَ به سطور كتابه وعالجَ قضاياه.. ينقل عبدالهادى قارئه برشاقة من الحديث عن شعر العقاد وتحليل قصيدة (ترجمة شيطان) إلى تناول صورة الأندلس فى شعر تلميذه النجيب أبى همام، كما يقدم للقارئ بحثا مستفيضا عن فن الموشحات الذى نشأ وازدهر فى الأندلس وأصبح الكثير من الدارسين - بل والشعراء - لا يعرف شيئا عن نشأته وطريقة بنائه.. وأخذ (عباس) قارئه فى جولة ماتعة فى دروب النثر العربى ليعرفه بجانب من بلاغة الإمام علىِّ بن أبى طالب وشخصيته الأدبية وبنية الرسالة السياسية فى كتاب نهج البلاغة، ثم يعرِّج على الحديث عن عبدالرحمن الكواكبى أحد رجالات الاصلاح ورواد النهضة العربية فى القرن الـ19، كما تناول دراسة عن كتاب صبح الأعشى فى صناعة الإنشا، ولا يعرف الكثيرون أن مؤلفه أبو العباس القلقشندى مصرى من قرية قلقشندة بالقليوبية.. وتناول المؤلف ملامح الأسطورة فى المسرح المصرى وقدم نماذج لها، وختم بتقديم رؤية تحليلية لرواية (قنديل أم هاشم) للكاتب الكبير يحيى حقى.


كما ذكرت- لا يتسع المجال للحديث عن (سراديب الدهشة) فى هذه المساحة المقيدة ولكن يكفى أنه يعلن ميلاد ناقد أدبى متمكن من أدواته ولغته الرصينة الخالية - تقريبا - من الأخطاء اللغوية التى أصبحت آفة حارتنا الثقافية والفكرية، وإن كنت أعتب عليه المبالغة فى استخدام ألفاظ تكاد تكون مستغلقة حتى على المثقفين والمتخصصين رغم أن باللغة متسعًا وزادًا من الألفاظ السهلة التى تؤدى نفس المعنى.