قضية ورأى

«اغتيال» كوكب

د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى

سيحتل العقد الثانى من الألفية الثالثة مكاناً متميزاً فى ذاكرة التاريخ. ليس فقط للإنجازات العلمية الفريدة التى تحققت خلاله، ولكن لأنه شهد أيضاً - وهو الأهم - تحطيم جميع الأرقام القياسية فى التأثيرات السلبية على «المناخ». وبات التعامل مع «التغيرات المناخية» يشكل أحد الطلاسم التى يجب سبر أغوارها، حيث ترفض دائماً الدول الوازنة والفاعلة تقديم الإلتزامات الواجبه لتفكيك الأزمة؟؟!!.. وكأنها ارتضت أن تكون «مارقة مناخياً».. إن التشخيص واضح والعلاج أوضح.. فلماذا يستمر "الداء" وبين أيدينا «الدواء»؟!!.
لقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن نتائج قمة المناخ «٢٥ COP» كانت دون التوقعات وتم تقويض فرصة ذهبية.. ونادى بمنع «إبادة البيئة»، وألا نبحث مجدداً عن الوقود الأحفورى، وأن نوقف الإدمان على الفحم، وأن نصل بصافى الانبعاثات الحرارية إلى مستوى الصفر. ما معنى هذا الكلام؟.. قولاً واحداً.. إن الهلاك ماثل أمامنا؟.
منذ عام 1994 والقمم الأممية تعقد سنوياً.. ومازالت أزمة انبعاثات الغازات الدفيئة تراوح مكانها و«المناخ» يئن ويصرخ.. ولم يستجب أحد.. ومن ينتوى «الفعل» نراه ينسحب!!.. فهل هى عملية اغتيال كاملة الأركان؟!.. دبرت بليل.. الضحية فيها «كوكبنا» والجلّاد فيها «نحن»!.
فى حقيقية الأمر، «نحن» نهين «كوكبنا».. عبثنا به دون أن ندرى أننا نعبث بأقدارنا.. جردناه من ثرواته وكأنها ملك لنا دون أجيال من بعدنا.. فالغابات تحترق، والهواء يتلوث، والعواصف تزمجر، والزلازل تدمر، والبراكين تنفجر والأعاصير تفتك، و«التسوناميات» تهدر فلا تبقى ولا تذر.. إن النظام البيئى حساس بطبعه وهشاشته تزاد يوماً بعد يوم بفعل وجود الكائنات الحية خاصة «الإنسان» الذى اندفع وراء عصرنة حياته على الأرض بممارسات أفضت إلى ملايين الملايين من أطنان ثانى أكسيد الكربون والميثان (غازات كانت لا تنطلق قديماً إلا من الانفجارات الكونية) تثبتت وتعلقت محتبسة داخل الغلاف الجوى، فاحتر «الكون» وسخن «الكوكب»، فذاب الجليد وزادت الفياضانات وغرقت الشواطئ وساد الجفاف وعم التصحر.
لقد تصدت مصر لهذه التغيرات المناخية الضارة بإتباع سياسات ممنهجة قفزت بها إلى المركز 24 من أصل 57 دولة طبقاً للتقرير العالمى 2019 عن قائمة الأداء لتغير المناخ، فى إطار سعى العالم لتحقيق الأهداف المناخية الثلاثة: بحلول 2030، تنخفض الانبعاثات بنسبة 45% - فى عام 2050، نصل إلى حيادية الكربون - بنهاية 2100، يستقر ارتفاع الحرارة العالمية عند 1.5 درجة.
إن إعادة الرشادة والمنطق إلى دول «الممانعة المناخية» أمر عسير، لم تفلح معه جهود المجتمع الرسمى. وليس أمام العالم الآن سوى الرهان على المجتمع المدنى (ناشطة المناخ السويدية «جريتا ثونبيرج» الأسوة والمثل)، لرص الصفوف سلمياً ضد «اغتيال الكوكب».. فهل يصنع شبابنا الفارق؟
< استاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة