إنها مصر

استعادة النهضة الثقافية المصرية

كرم جبر
كرم جبر

أجمل أغنية وطنية أحبها «حب الوطن فرض عليا» للموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب، لأنه لخص الـ«حـب» بالـ«فـرض»، وأبدع فى تتويجه بموسيقى أقوى من الرصاص ضد المستعمر الغادر.
العاشق لوطنه لا يثأر ولا يخون، ويتوضأ بالهدوء والجمال والوداعة والسلام، وكأنها محبوبة جميلة، تستحق الوفاء والفداء والتضحية والسهر والغناء.. و«ليه بس ناح البلبل ليه بس فكرنى بالوطن الغالى».
البلبل أجمل الطيور التى خلقها الله سبحانه وتعالى، وأحنها صوتاً وأعذبها شدواً وأرقها شكلاً، وإذا «ناح» أى «غنى»، يتذكر الأوفياء أوطانهم، ويرفعون أيديهم بالدعاء فى صلاة الفجر.
>>>
الغناء للأوطان فيه سمو بالمشاعر ونقاء بالأحاسيس وانتصار للحياة، أما «صليل الصوارم»، النشيد الرسمى لداعش والمنظمات الإرهابية، فبرائحة الدم والغبار وأنين النساء والأطفال، اذبح، احرق، اسبى، فجّر.. رعب قادم كالإعصار.
«صوت البلبل»، «صليل الصوارم».. المدنية فى مواجهة الهمجية.. المدافعون عن أوطانهم بالروح والدم، والقاسمون بالله العظيم أن يحموا أوطانهم.. ضد همج جاءوا من كهوف الخيانة، يزعمون أنهم مسلمون، والإسلام منهم بريء، ورسالته إسعاد البشرية وليس قتل البشر.
«صليل الصوارم» معناها أصوات السيوف حين التقائها، والصوارم لا ترتفع إلا فى مواجهة الغزاة والأعداء، والدفاع عن الأرض والعرض، أما أن تسلطها على رقاب أبناء وطنك ودينك وتنشر الفزع والرعب، فهذا أشد من الكفر.
أغانيهم وشعاراتهم تسليح للنفوس بثقافة العنف، وتنبذ الرحمة والمودة والتسامح.. ثقافة مخصبة بالدماء، تواجهها الشعوب المتحضرة، باستدعاء الوعى وإعلان حالة التأهب الثقافى لمخزون الأمة الإستراتيجى، من أفكار ومبادئ وقيم وتسامح ومحبة وحضارة وتاريخ وأدباء ومثقفين وفنانين، ملأوا وجدان المصريين بحب وطنهم.
>>>
مصر تتعرض منذ سنوات طويلة لهجمات «تغييب الوعى»، ومزاحمة ثقافات ضد هوية الوطن، وأهمها أنه على مدى تاريخه يخلق انسجام رائع بين كل من يعيشون على أرضه.
مصر.. مفرداتها المحبة والتسامح والسلام وعشق الوطن وهواؤه وترابه ونيله، عشق هادئ وأصيل، ووقفت الثقافة على أبوابها كحراس أشداء، وعشنا فى الستينيات نستهلك المخزون الثقافى المتراكم منذ ثورة 19 حتى قيام ثورة يوليو، وظل التجريف مستمراً حتى العظم.
مصر فيها مواهب واعدة وأنامل ساحرة وعقول حالمة، ويستطيع هذا المثلث المدفون تحت الإهمال، أن يعيد لنا من جديد عصر النهضة الثقافية المصرية، نجيب محفوظ والعقاد وطه حسين، وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وشوقى وحافظ وبيرم وغيرهم.. مصر ولادة.
من يزيل الصدأ والتراب عن المواهب المهملة، وينقذ الحالة الثقافية ويفتش فى كنوز الوعى ويحاول استرجاعها، ويحمى المواهب التى يتم إدخالها حظائر اليأس والإحباط؟.
ما علينا.. فلنتكاتف لوقف ثقافة «صليل الصوارم» مع اختلاف توزيعاتها!.