جاك شيراك..كواليس الحياة والمرض في مسيرة «عملاق السياسة الفرنسية»

جاك شيراك
جاك شيراك

- كان محبا لمصر، مؤمنا بالقضية الفلسطينية.

- عارض الغزو الأمريكي للعراق.

- وصف صدام حسين والزعيم الصيني دنج شياو بينج بـ«أصدقاءه».

- حافظ على صلابة أوروبا واتحادها.

«توفي عملاق السياسة»، هكذا نعت الصحف الفرنسية الرئيس الراحل جاك شيراك، والذي ترك عالمنا عن عمر يناهز الـ86 عاما، تاركا تاريخا سياسيا طويلا خارج عن المألوف.

أشارت صحيفة لوفيجارو الفرنسية إلى أن وفاة شيراك جاءت بعد حالة مرضية متدهورة، بدأت منذ 2011 وازدادت سوءا في 2016 حيث بدأت حركته تقل تدريجيا وذاكرته تضعف مما أدخله في حالة نفسية سيئة، فمن الصحة والإقدام والحياة السياسية بأوجها وصخبها، إلى المرض الذي دفع شيراك إلى الدخول في عزلة ومرض كأسد جريح عجوز.

منذ رحيله من الاليزيه في الـ16 مايو 2007، عاد المتقاعد الأكثر شهرة في فرنسا إلى شهرته، كان الرئيس السابق للجمهورية قد وضع قاعدة لنفسه بعدم التدخل بالسياسة، وعدم انتقاد خليفته نيكولا ساركوزي، أو التدخل في تصرفاته بأي تعليق من أي نوع.

40 عاما، ظل فيهم شيراك يعمل بلا كلل، استطاع أن يكون نموذجا للسياسي ولرجل العمل العام، نجح في السيطرة على اليمين الفرنسي مقاتلا ضد اليسار بضراوة، غزا السلطة وفقدها ثم عاد إليها مرة أخرى بنفس الطاقة والرغبة والقدرة على فرض إرادته.

مسيرة حافلة لسياسي مجهول

وزير من عام 1967 وحتى 1974، رئيسا للوزراء من 1974 وحتى 1976 ثم من 1986 وحتى 1988، عمدة لباريس لـ18 عاما، ثم رئيسا للجمهورية لـ12 عاما، حيث تقلد المنصب من 1995 ثم أعيد انتخابه في 2002 ليفوز بنسبة تاريخية وصلت إلى 82.21% ضد جان ماري لوبان.

أضافت لوفيجارو كذلك إلى أن شيراك جزء من التراث السياسي الفرنسي أكثر من أي شخص آخر، ومع ذلك، فإن هذا الرجل الذي عاش بشكل دائم في دائرة الضوء لا يزال مجهولاً، المجهول من الاليزيه، كما كتب الصحفي بيير بين في كتاب قام بتأليفه.

لم يكن صحيحا بأن شيراك يحب الغرب فقط، في الواقع كان خبيرا وملما بالثقافات والحضارات الآسيوية، مؤمنا بالقضية الفلسطينية، رافضا للغزو الأمريكي للعراق، كان محبا لمصر، يحوز على احترام العرب وتقديرهم.

كانت شخصية شيراك أقل عقدا من أسلافه، لكنه كان شخصية منغلقة على ذاته إلى حدا ما، يقظ، متواضع، كريم، ترك السياسة مضحيا بالحشود والأنصار، المصافحات والعناق، لكنه لم يستسلم.

دعوته لأوروبا «القوية»

من جهتها، وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه قد صاغ إرث الزعيم شارل ديجول في قاعدة السلطة والتي جعلته واحداً من الزعماء المهيمنين على فرنسا على مدار ثلاثة عقود وداعية قوي للوحدة الأوروبية، كما كان قادرًا على سد الفجوة بين اليسار واليمين وساعده في ذلك حكمه لبلاده في توقيت جيد.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن شيراك انتخب رئيسًا لبلدية باريس لمدة 18 عامًا، حيث استخدم هذا المنصب كنقطة انطلاق في السياسة الوطنية.

بالنسبة لخصومه، كان شيراك - رجل طويل القامة ونشيط ، بليغ - حرباء سياسيًا، قادرًا على تعديل سياساته وفقًا لقراءته حسبما يريد الناخبون (وهو ما لم يجعله مختلفًا كثيرًا عن الفرنسيين الآخرين السياسيين في وقته)، لكن الجميع اتفقوا تقريبًا على أنه كان محافظًا ودودًا للمشروعات الخاصة.

كرئيس لفرنسا، ابتعد شيراك عن "الإيمان الديجولي" وذلك بالاكتفاء الذاتي الفرنسي، بدلاً من ذلك، ضغط بشدة من أجل أوروبا اتحادية جديدة ، مع تولي الاتحاد الأوروبي المزيد والمزيد من السلطة.

كان هدفه هو نفس هدف جميع الزعماء الفرنسيين بعد الحرب العالمية الثانية، بمن فيهم شارل ديجول وفرانسوا ميتران، وهو منع حرب أخرى عن طريق احتواء ألمانيا - بالأخوة والحماية الذاتية – من خلال اتحاد اقتصادي وسياسي.

لقد تباهى كثيرا بمجموعة من علاقاته خارجيا، واصفا صدام حسين والزعيم الصيني، دنج شياو بينج، بأصدقائه. سواء كان يشغل منصب رئيس أو رئيس وزراء، كان يرحب بالضيوف البارزين كالبابا يوحنا بولس الثاني، والرئيس الأمريكي رونالد ريجان، والزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، كما عرف استقباله لهم بالفخامة والبذخ.

حين غادر شيراك مكتب رئيس البلدية عام 1995، كان هناك أدلة متزايدة على أن الفساد والتلاعب السياسي قد انتشرت خلال فترة ولايته، لكن على الرغم من إدانته لاحقًا في المحكمة، لم تكن هناك مزاعم أثناء تواجده في منصبه بأنه قد أثرى نفسه، ومع ذلك، كانت هناك شكوك بأنه يجب أن يكون على دراية بالمخططات الفاسدة لشركائه على الأقل.

كان لشيراك باع في العمل الخيري والإنساني، كلن يقوم بالكثير من العمل لمساعدة المعاقين، مع المؤسسات، كما عرف عهده بإرساء التسامح وروح العلمانية والتنمية المستدامة وحوار الثقافات، وتقديم المساعدة والدعم لأبناء القارة السمراء.

ربما تلخص صحيفة ليبراسيون الفرنسية التي كانت تنتقده كثيرا، شخصية شيراك في تلك الجملة: "حتى أولئك الذين لا يحبونه يستطيعون الاعتراف بأن رئيس الجمهورية هو رجل واضح، سريع الانخراط في المشاكل الفردية وفي مساعدة هؤلاء الذين تصيبهم المتاعب".