من دفتر الأحوال

ثمن التحالف مع الشياطين

جمال فهمى
جمال فهمى

جمال فهمى

حكاية الأدب التى اخترتها لحضرتك هذا اليوم ربما ستبدو لك مستوحاة مما
يدور حولنا ونكابده هذه الأيام فى المحيطين الأقليمى والدولى، وأقصد هذا التخالف غير المقدس بين قوى دولية و»صراصير»إقليمية مع عصابات القتل والتخريب التى تعافر حاليا لتقويض مجتمعاتنا ودولنا، بل والحضارة الإنسانية كلها، إذ يبدو المشهد فجا مفضوحا ومخجلا، حيث يجمع التهور الإجرامى هذه القوى والصراصير بعصابات السفاحين معا فى «حلف شيطاني» فائق الخطورة ومتفوق فى المسخرة، حتى أنك أحيانا لا تستطيع أن تمنع نفسك من الضحك، لكنه الضحك الأمر من البكاء!!
والبكاء الموجود فى الحكاية التى ستقرؤها حالا، هو بكاء ندم لايفيد ولاينفع عندما يأتى وقت دفع ثمن التحالف مع الشياطين.. ففى واحدة من أشهر حكايات الأدب الغربى الحديث والمعاصر، فإن طبيبا يدعى «فاوست»أبرم عقدا مع الشيطان «مفيستو فاليس»بمقتضاه قايض الأول وباع روحه للثانى مقابل أن يمنحه قدرات خارقة للطبيعة تُمكن الطبيب من تحقيق أطماعه وأشباع ملذاته.
فإلى ملخص مكثف لقصة الحلف مع الشيطان كما رسمها «جوتة»شعرا فى مسرحيته :
يبدأ خط دراما المسرحية صعوده عندما يكون الدكتور «فاوست»فى معمله يحاول الخلاص من حياته بالانتحار بعدما بلغ قمة القنوط واليأس، غير أن الشيطان يدركه قبل أن يتناول السم ويموت ويعرض عليه المساعدة فى إنهاء كل الهموم وتزويده بما يريد من قوة وقدرة وشباب مقابل أن يتنازل له عن روحه، وإذ يقبل فاوست عرض مفيستو ويوقع على بنود عقد الاتفاق بنقطة من دمه، يشرع الشيطان فى تنفيذ الغوايات التى أوقعه بها فيخلصه على الفور من مظاهر الشيخوخة ويرده شابا فتيا وسيما.
يغتر الدكتور «فاوست»بشبابه وفتوته الشيطانية ويندفع فى طريق الملذات إلى أن تقع فى طريقه ذات يوم فتاة بتول طاهرة تدعى مارجريت فيعرض عليها أن تبادله العشق والحب لكنها تأبى وتبدى نفورا منه، فيستعين بشيطانه «مفيستو»الذى يبدى له فى البداية تمنعه عن أداء هذه الخدمة متعللا بطهر الفتاة وورعها، غير أن فاوست يهدده بفسخ العقد فيقوم الشيطان بكل ما يلزم لإغواء الفتاة وينجح كيده بعدما أوعز لحليفه المغرم أن يرسل لمعشوقته صندوقا مملوءا بحلى وجواهر جعلها تلين فعلا، بيد أن أمها تشم فى الهدية الثمينة رائحة الحرام وتستدعى قسيسا من الكنيسة يؤكد هذا المعنى ويقرر أن يصادر الصندوق لصالح الكنيسة قائلا :»بإمكان الكنيسة وحدها أن تهضم الحرام»!!
يحاول «مفيستو»من جديد إنجاز المهمة واستمالت مارجريت ويضطر للجوء إلى الساحرة الشريرة جارة الفتاة وتنجح هذه الأخيرة فى الجمع بين فاوست ومحبوبته ويتبادلان الاعتراف بالعشق، وتصل الغواية والإثارة بمارجريت إلى حد أن تدس لأمها عقارا منوما لكى يخلو لها الجو ويدخل العشيق إلى مخدعها حيث يقع المحظور وتحمل منه سفاحا.
يتسرب خبر ما جرى للفتاة العذراء إلى مسامع شقيقها «فالنتين»الذى يندفع للثأر من فاوست داعيا إياه لمبارزة بالسيف، هنا يتدخل الشيطان لصالح حليفه فيشل يد الشاب ما يمكن فاوست من هزيمة غريمه وقتله.. وتتحول حياة مارجريت إلى جحيم فأمها ماتت بسبب جرعة العقار المنوم الذى دسته لها، كما أن أخاها مات على يد عشيقها، وقد اضطرت لقتل وليدها الذى حملت به سفاحا.. أما فاوست فقد صار هو الآخر أتعس كائنات الدنيا وهو الذى كان يظن أن حلفه مع الشيطان سيمكنه من سعادة أبدية!!