الأمم المتحدة ليست للسياسة فقط.. «للرضاعة» موضع قدم هناك

رئيسة وزراء نيوزيلندا وزوجها وطفلتها
رئيسة وزراء نيوزيلندا وزوجها وطفلتها

تضج أروقة الأمم المتحدة – في ظل انعقاد الدورة الـ 73 للجمعية العامة - بالمناقشات والمباحثات بين الزعماء والقادة بعضهم البعض، هناك من يتحدث عن قضايا مصيرية وملفات تزدحم بالمشكلات المستعصية التي قد يكون بعضها لا يعرف طريقه نحو الحل، وهناك من يكون حضوره ليس محل ترحيب وربما لا تخلو مشاركته من مشادات أو انتقادات هنا أو هناك..

 

طفلة رضيعة بالأمم المتحدة
لكن في زاوية أخرى من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان هناك لفتة لا يمكن إغفالها، بطلتها أم بدرجة رئيس، وهي جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا، التي ربما لا يقلقها الملفات التي ستطرحها على أجندة الجمعية العامة أو اللقاءات التي ستعقدها على هامش الجمعية أو المشكلات التي ستكون طرفا أصيلا فيها في محاولات للوصول إلى تسوية، ربما كل ذلك لا يقلقها فهي سياسية من الطراز الفريد، ولكن الذي يشغل جل تفكيرها وربما يصيبها بالتوتر خلال تلك الدورة من الجمعية العامة، هو «طفلتها الرضيعة».

 

«أرديرن» التي تظهر لأول مرة أمام زعماء وقادة العالم، والتي تصدرت الصفحات الأولى للجرائد والنوافذ العالمية منذ تقلدها لمنصب رئيس وزراء نيوزيلندا بحكم أنها ثاني زعيمة تلد وهي متقلدة لحكم دولتها، بعد أن سبقتها في ذلك رئيسة وزراء باكستان الراحلة بينظير بوتو في عام 1990، تواجه تحديات صعبة في الأمم المتحدة وذلك بسبب المهمة الصعبة المتعلقة بالسفر لمسافة طويلة مع طفلة، بالإضافة إلى مواعيد نوم ابنتها الرضيعة التي تبلغ من العمر الـ 3 أشهر، بخلاف أنها تقوم بترضيع طفلتها «نيف تي أروها» من صدرها، ولا يمكن أن تغيب عنها لفترة طويلة.

 

أول كلمة بالجمعية العامة
ومع استعداد أرديرن - التي تعد أول رئيسة وزراء في تاريخ نيوزيلندا تضع مولودا وهي في المنصب، وأصغر رئيسة وزراء في بلدها - لإلقاء أول كلمة لها في الأمم المتحدة، قالت: «إنني محظوظة.. توجد حولي شبكة دعم رائعة.. لدي القدرة على اصطحاب طفلتي معي إلى العمل.. لا تستطيع أن تفعل ذلك في أماكن كثيرة».

 

«إذا لم تكن هناك ثقافة تقبل أن تكون الأمهات والأطفال جزءا من أماكن عملنا فلن نغير أي شيء.. ولذلك فإذا استطعت أن أفعل شيئا واحدا فقط.. فهو تغيير الطريقة التي نفكر بها في هذه الأمور.. فسأشعر حينئذ بسعادة أنني حققت شيئا ما»، هذا ما أكدت عليه أرديرن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد الأسبوع الحالي.

 

وضع مولودتها
يوم الخميس الموافق 21 يونيو من عام 2018، أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن على حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «إنستجرام»، عن أنها وضعت مولودتها الأولى، لتصبح أول رئيسة وزراء في تاريخ البلاد تضع مولودا وهي في المنصب.

 

وخلال فترة وضع «أرديرن» قام نائبها ونستون بيترز، بمهام منصبها لمدة قاربت الـ 6 أسابيع، لحين عودتها من إجازة الوضع. وكانت رئيسة الوزراء وضعت طفلتها في مستشفى أوكلاند، وكان رفيقها المذيع التلفزيوني كلارك جايفورد إلى جوارها.

 

وفي وقت سابق وقبل إعلانها خبر حملها، قالت جاسيندا أرديرن،: «لست أول امرأة تقوم بأكثر من عمل في الوقت نفسه.. ولست أول امرأة لديها طفل وفي الوقت نفسه تعمل.. أعلم أنها ظروف خاصة ولكن هناك الكثير من النساء اللواتي فعلن ذلك قبلي».

 

عودة بعد 6 أسابيع
وفي يوم الخميس أيضا ولكن الموافق 2 أغسطس من ذات العام، عادت أرديرن إلى عملها بعد 6 أسابيع من وضع مولودتها الأولى، وجلست بجوار نائب رئيس الوزراء ونستون بيترز، الذي قدمت له شكرها الصادق على إدارته البلاد خلال هذه الفترة، مما سمح لها أن تصبح أول رئيسة وزراء في تاريخ نيوزيلندا تأخذ إجازة وضع أثناء وجودها في السلطة. وقالت: إنه «فعلا أمر رائع العودة بينكم جميعا.. وأنا فعلا أعني ذلك.. فلنواصل العمل».

 

وكانت «جاسيندا» ظهرت أمام عشرات الصحفيين والكاميرات في مستشفى أوكلاند سيتي في أول ظهور لها منذ أن وضعت مولودتها، وشكرت الناس على دعمهم بينما كانت ابنتها التي ولدت منذ ثلاثة أيام فقط تنام على ذراعها.

 

 

وقالت في مقابلة مع تلفزيون نيوزيلندا: «أشعر بالقلق يوما بعد يوم بشأن الرضاعة والنوم والحفاضات.. إنه ذلك الاهتمام بأمور دنيوية بسيطة جدا.. ربما أكون من أوليات من يفعلن شيئا لم يحدث كثيرا، لكن الأمر سيصبح عاديا يوما ما».

 

وأعلنت أنها أطلقت على ابنتها المولودة اسم «نيفي تي أروها» وشرحت معنى «نيفي» قائلة: «إنه يعني المشرقة والمتألقة، كما يعني أيضًا الثلج، ويعكس الاسم أن الطفلة ولدت في منتصف فصل الشتاء في البلاد وفي أقصر يوم في العام.. أما الاسم الثاني «تي أروها» فيعني الحب بإحدى لغات نيوزيلندا في إشارة إلى عدد من القبائل في البلاد التي عرضت أسماء كهدية على أرديرن بينما كانت حامل». 

 

برلمان مُجهز للرضع
على الجانب الأخر، الكثيرون رأوا في حمل رئيسة الوزراء البالغة من العمر 38 عاما رمزا لتقدم النساء في الأدوار القيادية بعدما أصبحت ثاني زعيمة منتخبة تضع مولودا وهى في المنصب بعد رئيسة وزراء باكستان الراحلة بينظير بوتو. 

 

الذي يدعو للتوقف أمامه في نيوزلندا ليست رئيسة وزرائها فقط، ولكن برلمانها أيضا لا يخلوا من الأفعال الغريبة والتي يأتي على رأسها ما نحن بصدده الآن وهم الأطفال الرضع، حيث لا يخلو البرلمان من أب أو أم يحملان على أيديهم رضيعهما، وبعد أن وضعت «جاسيندا» طفلتها، عمل برلمان نيوزيلندا - خلال الشهور الماضية - على أن يكون أكثر مواءمة للأطفال، ويمكن للأطفال أن تستخدم المسبح الذي تم تجهيزه لأطفال النواب.

 

 

أغلى رحلة رضاعة في التاريخ
وإلى جانب حملات وكلمات الدعم التي تلقتها رئيسة وزراء نيوزلندا، كانت هناك سهام انتقاد تقف لها بالمرصاد، وذلك بسبب أغلى رحلة رضاعة في التاريخ، حيث أثارت رحلة رسمية لها، ضجة كبيرة في أوساط دافعي الضرائب في بلادها، بسبب تكلفتها العالية، التي وصفها كثيرون بأنها غير مبررة.

 

«أرديرن» طلبت من طاقم طائرة بوينج 757 القيام برحلة إضافية إلى جزيرة ناورو في المحيط الهادي حتى تتمكن من تقليل الوقت من أجل مرافقة ابنتها الرضيعة، وأجبرت الطائرة على العودة إليها بعد يوم واحد من وصولها إلى منتدى جزر المحيط الهادئ وإعادتها إلى مكان إقامتها مرة ثانية في خطوة أثارت حفيظة النيوزلنديين.

 

ووجه المواطنون في نيوزيلندا انتقادات لاذعة إلى أرديرن بسبب الرحلة الإضافية التي تقدر تكلفتها بنحو 100 ألف دولار نيوزيلندي، وفق ما ذكرت «الجارديان».

 

وبينما قررت رئيسة الوزراء حضور الاجتماع، فإنها أرادت أيضا عدم ترك طفلتها «نيفي» لثلاثة أيام، هي مدة انعقاد المنتدى. ودافعت عن قرارها بالسفر إلى المنتدى والعودة منه في يوم واحد، بقولها: «لقد رأيت أنه من المفيد لي السفر ليوم كامل للوفاء بالتزاماتي كرئيس للوزراءۚ»، وهذا ما تبناه وزير ماليتها أيضا، حيث صرح بأن «الحكومة خصصت أموالا لمثل هذه الرحلات كل عام، مضيفا أنه لا توجد أموال إضافية يتم إنفاقها على الإطلاق».

 

ولكن في نهاية المطاف، فإن ما تقوم به رئيس وزراء نيوزلندا سيخلد في تاريخ النساء اللواتي تقاتلن من أجل إثبات أن المسئولية السياسية والمناصب القيادية لا تتعارض مع كون أن تصبح أما لطفل، فهي استطاع بكل جدارة أن تدمج بين عملها السياسي وبين رعايتها لطفلتها، لتدفع الكثيرون لرفع القبعة تحية لها على نجاحها في الدمج بين الأمرين دون أدنى تقصير.