إنها مصر

وماذا بعد ؟؟

كرم جبر
كرم جبر


انتهى نتنياهو من تدمير شمال غزة، ولم يترك شيئاً فوق الأرض.. هدم المنازل والمدارس والمستشفيات والمرافق والطرق والمزروعات .. لم يترك شيئاً .

واتجه نحو جنوب غزة، وضرب خان يونس وتحويلها إلى أنقاض كما فعل فى الشمال، وأصدر أوامره بإخلاء مستشفى الشفاء، وليس مُهماً عنده أن يموت الجرحى .

سكان الشمال ذهبوا إلى الجنوب، فأين يذهب سكان الجنوب بعد استهدافهم بالغارات الوحشية ؟

يتوهم مجرم الحرب أنه يدفعهم إلى الحدود المصرية، لأن أحلامه الشيطانية ما زالت مُشتعلة فى رأسه، ولم ينس فكرة التهجير .

لو فعل ذلك فهو يقترب من حدود جهنم التى تحرقه وأحلامه، لأن سيناء كما كانت مقبرة للإرهابيين وللاحتلال الإسرائيلى، ستكون أيضاً مقبرة لأحلام نتنياهو الشيطانية .

ليس من مصلحته ولا إسرائيل أن يُعادى مصر، أو يُعكر صفو اتفاقية السلام التى كانت تحلم بها بلاده، ومصر دولة محترمة وتحافظ على تعهداتها وتتمسك بكلمتها، ولكن إذا تجرأ عليها، فلديها ما تدافع به عن أمنها القومى .

نتنياهو لم يقرأ دروس التاريخ، وفى عز الاجتياح الإسرائيلى لفلسطين عام 1948، نصح ديفيد بن جوريون جيش الاحتلال بألا يدفع المهجرين الفلسطينيين إلى الحدود المصرية، وقال لهم لا تهجروهم جنوباً لأن مصر لن تسمح لهم، وورد هذا الاعتراف الصريح فى مذكراته الذى ظلت ممنوعة من النشر وتم الإفراج عنها منذ عدة سنوات .

مصر هى رمانة الميزان فى المنطقة، وهى الطرف القادر على ضبط منظومة النيران المجنونة، إذا استجابت إسرائيل للعقل واستمت للدولة الكبيرة التى تحمل القضية الفلسطينية فوق أكتافها .

والرؤية المصرية متدرجة تبدأ بالهدنة الإنسانية وإدخال المساعدات والإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار، وتهدأة الأجواء لتحقيق السلام العادل والدائم فى المنطقة .

السلام فى مصلحة إسرائيل قبل أى طرف آخر، ولن يكون فى مقدورها أن تستمر فى مطاردة سكان غزة وتحرق كل شىء فوق الأرض، على أمل جعلها أرضًا بلا شعب، لتحقيق الأحلام الطائشة بإحلال المهاجرين اليهود فى غزة بعد طرد الفلسطينيين.

ويتخيل نتنياهو فى أحلامه الشيطانية أنه يؤسس لدولته الجديدة بضم أراضى فلسطين كلها، ثم التمدد فى أراضى الدول المجاورة.. وأنه يفعل ذلك ولو كان الثمن مئات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين .

ووراءه "لوثة هستيرية" أصابت الغرب الذين غابت ضمائرهم، ويرددون نفس الأكاذيب الإسرائيلية، دون أن يدققوا فيما تنطق به ألسنتهم، واختلت موازين العدالة وانتحرت معانى الإنسانية .

ما ذنب سكان غزة الأبرياء من الحرب الوحشية، ولماذا يتم استهدافهم جميعاً بالعقاب الجماعى، بصورة ربما لم تحدث فى تاريخ الحروب ؟
وماذا بعد بحور الدماء وتلال الجثث والأشلاء وأطنان القنابل والمتفجرات التى حولت غزة إلى حفرة من جهنم؟ وهل يتخيل القتلة أنهم سيفلتون من لعنة الدماء والأرواح البريئة؟

لا حل إلا البحث فى أنقاض غزة عن شىء مفقود اسمه السلام، والبدء فوراً بوقف إطلاق النار، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .