إنها مصر

الحلم الذى كان مستحيلًا !

كرم جبر
كرم جبر

"فيروس سى" الرهيب لا يتم اكتشافه إلا بالصدفة، وربما يذهب شخص سليم ومعافى إلى الطبيب يشكو من قليل من الإرهاق، فيفاجأ بأن الفيروس يهاجم كبده بشراسة وقسوة.

عند لحظة الاكتشاف تصبح الحياة جحيماً لا يطاق، ويتحول المريض الذى كان قوياً قبل اكتشاف المرض إلى جثة متحركة، من هول الصدمة النفسية والعصبية.

كثير من الأطباء فى مصر يستخدمون مع مرضى الكبد أسلوب "الصدمة والرعب"، ويثيرون فيهم مخاوف رهيبة، وربما يقول أحدهم لمريضه "أمامك خمس سنوات فقط حتى تموت".

يقع مريض الكبد منذ اكتشافه المرض بين أنياب حالته النفسية، يتصالح معه الفيروس إذا كان سعيداً ومتفائلاً، ويكشر عن أنيابه ويضربه بشراسة إذا غضب أو ارتبك أو هاجمته الأحزان.

غير الحالة النفسية، تبدأ رحلة الحرمان من مقومات الحياة، حرمان من السهر والمجهود ثم الطعام، المحرمات كثيرة، اللحوم والدهون والبقول وكل ما يحبه الإنسان.

الفيروس اللعين هو الذى يختار الوقت الذى يقرر فيه الانقضاض على المريض، وكلمة السر هى "الضعف".. الجسدى والنفسى، ويصل به إلى مرحلة الهزال.
الفيروس يشدد هجومه الضارى على الكبد، فيفجر خلاياه ويسكب الإنزيمات فى الدم، ويحوله تدريجياً إلى قطعة من الكاوتش المصمت "التليف" ويقضى على وظائفه الأساسية.

الكبد المتليف لا يكون قادراً على فرز الإنزيمات الهاضمة للطعام، وبالتالى يفقد المريض شهيته ولا يجد جسده ما يسد حاجته، فيأكل نفسه ويصبح جلداً على عظام.

يخرج الطعام المهضوم من المعدة إلى الكبد فى رحلة الجسد الطبيعية التى خلقها الله سبحانه وتعالى، فلا تجد الدماء المندفعة خلايا تستقبلها فترتد مرة ثانية مثل خرطوم المياه الذى تضغط على فوهته.

ترتد الدماء إلى الشرايين والأوردة فتفجرها وتحدث النزيف الداخلى، وتبدأ فى هذه المرحلة رحلة أهوال المنظار، كاميرا وبكرة خيط لربط الدوالى المتفجرة.
تبحث الدماء عن مخرج آخر فتتجه مندفعة إلى الطحال فيتورم ويلتهب وينتفخ ويتحول إلى طحال شرس يكسر الدماء ويفتت الصفائح الدموية فلا تكون قادرة على التجلط، ويحدث نزيف مستمر.

الكبد المتليف يكون معرضاً بنسبة 50% إلى الإصابة بالسرطان، وإذا انتشر فى الكبد، فإنه يمتد بسرعة إلى خارجه وإذا أصاب الأوردة الرئيسية فتلك هى مرحلة النهاية.

متى ينشط الفيروس ويعلن الحرب، متى يهدأ ويعقد معاهدة سلام؟.. المسألة تختلف من مريض لآخر، وكلما كان الإنسان مؤمناً وصابراً يحدث له نوع من السلام النفسى الذى يمكنه من الاحتمال.

ملايين المرضى كانوا ينتظرون حلم إجراء زراعة الكبد بتكلفتها الرهيبة التى تتجاوز عدة ملايين، بجانب خطورتها على المتبرع الحى.

هذا هو الحلم الذى كان مستحيلاً، وأذل أعناق المصريين: مصر خالية من فيروس سى.