«عزبة حنور» قصة قصيرة للكاتب الدكتور فراج أبو الليل

الدكتور فراج أبو الليل
الدكتور فراج أبو الليل

تنام «عزبة حنور» في الصعيد بعيداً عن الضوء .. هي تلك البقعة المنسية في ثوب الأرض ..هناك حيث تعوي الذئاب .. لا شيء سوى الشمس الحارقة وثعابين الرمال الجبلية السامة .. حجب ظله نور الشمس .. تمدد مثل شجرة اللبلاب التي غطت دواره العالي .. عندما ينقطع ضوء الله عن الطريق الوحيد في «عزبة حنور» لا بد أن تعلم أن «التور» قد مر بجوارك .. هو ذلك الطويل بالنسبة لصغير مثلي .. أو القوي بفدادينه الزراعية بالنسبة للرجال العجائز وأمواله المتشعبة في بر العزبة والنجوع المجاورة .. كرهته حين ضربني بيده الطويلة .. عندما قبلتني «شهوة» .. وطلبت مني أن أحضر لها علبة معسل سلوم .. ولكني رفضت .. ألقيت بالنقود المعدنية علي التراب وجريت بعيداً .. ضمها إلى صدره العريض ..صرخت «شهوة» .. وصرخ هو من نار جسدها الفاير .. كبصاية الفحم المولع علي حجر الشيشة .. كنت كلما مررت بمكان مقتلها .. اصرخ من الخوف  هزمت أردافُها المرتفعة عيون «التور».. وحين طلبت منه الزواج .. ذبحها بسكينه البارد .. كنت أخاف النظر إلى وجهه .. شوهت ندب حب الشباب وجهه، مخلفة وراءها حفر غائرة في خدوده المنتفخة .. غارت عيناه الضيقتان .. وتركت أنفه الضخم يطل من وجهه حجرياً .. محذراً الكلمات في فم المتأفَّفين .. شجرة الجميزة كانت شاهدة ..عندما قفز علي فروعها الغضة .. ألقت بثمارها الطرية في فمه المسعور .. لم يكن من الجائعين.. لقد أكل الثمين في يوم زفافه من فم زوجته «بطة».. ظل صوت «شهوة» يطاردني كل مساء .. حين بكت من وجع الأيام المظلمة.. ماتت تاركة طفلها الرضيع يتسول اللبن الساخن من «أبقار» العزبة .. حاولت منعه ولكني لم أستطع كباقي طبقة الكادحين بالفأس في أراضي الغير .. طبقة الكادحين لم تتذوق أرغفة القمح .. لقد تعودت علي رغيف الذرة الرفيعة  مخلوطاً بالحلبة المحمصة والمجروشة أو ما يطلقون عليه رغيف البتاو .. ظل «التور» هائجاً .. يتحرش بالأفكار الطازجة .. عيناه الضيقتان تثقب ملابس الفتيات الفائرات في مرحلة البلوغ .. كانت إحدى وصايا الأمهات .. ابتعدي عن «التور» .. هي كلمة لازمت شفاه بيوت الطين والبوص .. أتذكر عندما تحرش بعائلة «الجحش» ظلت البنادق تصرخ ثلاثة أيام .. تاركه العويل والخوف وموت ثلاثة رجال من عائلة «التور».. بعدها لم يستطع تكرار فعلته مع عائلات البنادق والقمح .. غادرت العزبة .. سكنت بجوار السيدة نفيسة بالقاهرة المملوكية .. ولم تغادرني صرخات الخوف.. ونصائح جدتي لأختي .. لا تظهري الرمان الناضج يا صغيرتي ..غطي وجهك بالسواد .. نهاية القول .. ابتعدي عن «التور».