خارج النص

مصر فى قلب أفريقيا

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

الجولة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى حاليا لبعض دول جنوب القارة الأفريقية، والتى تشمل (زامبيا وأنجولا وموزمبيق)، جولة بالغة الأهمية، وتدشن لمرحلة جديدة من علاقات مصر مع القارة السمراء.

البعض يتصور أن عودة مصر إلى أفريقيا مجرد عودة رومانسية، أو أن الهدف منها فقط حماية مصالحنا الحيوية فى منطقة حوض النيل، لكن من يعيد قراءة رسائل النشاط المصرى المكثف فى القارة منذ ثورة 30 يونيو 2013، التى نحتفل هذه الأيام بذكراها العاشرة، يدرك أن تحرك الدولة المصرية يجرى وفق مخطط استراتيجى بالغ الدقة، وكل خطوة فيها محسوبة بعناية.

مصر التى كانت واحدة من الآباء المؤسسين لمنظومة العمل الأفريقى المشترك قبل ستة عقود، وتدين معظم الدول الأفريقية للقاهرة بالفضل فى مساندة حركة تحررها الوطني، وتخلصها من الاستعمار، عادت إلى القارة بعد فترة من التذبذب وتراجع القارة على أجندة السياسة المصرية، لكن مصر الجديدة ليست هى مصر قبل 2013، وأفريقيا الستينيات لم تعد هى تلك القارة التى عرفناها وخضنا غمار دعم استقلال دولها، ودفعنا ثمنا غاليا لمكافحة قوى الاستعمار، التى كانت تهيمن على أراضيها وتنهب ثرواتها.

أدركت مصر الجديدة أن أولويات القارة تغيرت، وأن خريطة اللاعبين على أرضها اختلفت، وربما كان التنافس الدولى حاليا على ثروات أفريقيا، ومناطق النفوذ والتأثير فيها أخطر بكثير مما كان يجرى فى الحقبة الاستعمارية، وأن الاعتماد على المشاعر وأمجاد الماضى لا يكفى لكى نحقق الهدف المنشود، وهو وضع مصر فى مكانتها اللائقة فى صفوف القيادة والريادة القارية.

أيقنت مصر أن التنمية هى كلمة السر الجديدة لفتح قلوب وعقول الأفارقة، لذلك سنجد مشروعات التعاون والتنمية ومبادرات دعم أفريقيا فى مختلف المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية وتدريب الخبرات وتبادل المصالح المشتركة، هى اللغة المستخدمة اليوم فى الدور المصرى القوى فى القارة.

الدبلوماسية المصرية، التى قدمت أول شهدائها، وهو السفير محمد كمال الدين صلاح، الذى اسُتشهد على أرض العاصمة الصومالية مقديشيو عام 1957، وتصادف أن يرتقى قبل أسابيع أحدث أولئك الشهداء أيضا من أرض أفريقيا، وهو الشهيد محمد حسين الغراوي، مساعد الملحق الإدارى فى السفارة المصرية فى السودان، تدرك أن العمل فى أفريقيا اليوم محفوف بمنافسة لا ترحم، فقوى دولية كبرى كالصين والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى تتصارع من أجل البحث عن حماية مصالحها فى قارة المستقبل، وقوى إقليمية عديدة أكثر من أن تحصيها هذه السطور تتطلع إلى موضع قدم، والجميع يدرك أن مصر القوية المؤثرة فى القارة بما تملكه من قدرات وقوة ناعمة ستكون منافسا قويا لا يُستهان به.

الدبلوماسية الرئاسية التى انتهجها الرئيس السيسي، والذى حاول أن يمدد مساحات التحرك المصرى لتشمل كل أقاليم القارة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، واحتلت الزيارات واللقاءات مع قادة دول القارة ما يقرب من نصف عدد الأنشطة الرئاسية خلال السنوات التسع الماضية، أعطت، بغير مبالغة، قبلة الحياة للدور المصرى فى القارة، بل وجعلت مصر «صوت أفريقيا» القوى فى المحافل الدولية.

عودة مصر الجديدة إلى أفريقيا، وعودة أفريقيا إلى مصر نقطة تحول كبرى، وزيادة مهمة لرصيد مصر الاستراتيجي، خاصة أن فرص النمو الاقتصادى والتعاون المستقبلى تجعل من أفريقيا ساحة مهمة للتأثير المصري.. المهم أن نجيد امتلاك الأدوات، وأن نحسن الاستفادة من الفرص المتاحة، فالفرص لا تبقى طويلا على أرض القارة، التى باتت مزدحمة باللاعبين والمتربصين.