«عن رحلة قلب» قصة قصيرة للكاتب محمد أبو زيد التجاني

الكاتب محمد أبو زيد التجاني
الكاتب محمد أبو زيد التجاني

« الحب نور يُرى لا يُحكى عنه »
قال الفتى : 
يا سيدي لي عندك مسألة.. ضاق صدري ولا أعلم هل اغتربتُ عني أم كنت أنا الغريب في هذا العالم، يا سيدي هل ارتفع الحب والجمال، هل تلاشى الخير وتبدَّل الحال .. ابحث عن أهل المقامات العلى ولا أجدهم هل توارى أهلها وغادروا، ظننت أني ملاقيهم لعلي آنس بهم .. 
هل أنا الغريب في هذا العالم وحدي أم هناك غرباء ..؟ وكيف السبيل إليهم دُلني نذهب بعيدًا في جزيرة خالية بعيدة بعد المشرق من المغرب ؟ 

قال السيد : 
هوّن عليك يا فتى ؛ وأنصِت إلى بقلبك، وليتسع صدرك.، اعلم أن الحب والخير والجمال هما باقين ببقاء الخالق فهما أنغام الكون وجوهر وجوده ونظامه، ولما الادعاء بفنائهما، يا فتى لن ترى إلا بنور روحك وعين قلبك، والظمأ يربك صاحبه ويجعله هذيل ضعيف لا يقوى على شئ، وإن مثلّ الثلاثة كمثل النهر الجاري عليك أن تـغترف منه وترتوي وإن ارتويت زال ظمأك وهدات روحك واطمأن قلبك ومن ذاق عرف.

 أما أمر أهل المقام فهم أهل السرّ يُخفى عن الناس مقامهم وأحوالهم وأعلم أنهم بين العباد لن ترى أنوارهم إلا إذا ذقت وعرفت وانجلى الظمأ وستراهم حينها بعين قلبك، وهم في أنس دائم بمن يعرفهم وعرفوه.. ألا يعلم السرّ وأخفى؟. 

أما عن الجزيرة والاعتزال ... لكل منا حال وأحوال وانت يا فتى مقامك لن يرتقي إلا بين الخلائق، حين تكن طبيب روحهم، وجابر كسر قلوبهم، كن أنت النور بمحبتك وكن أنت الخير ترفقُ بيدك على أكتافهم وتزيح عنهم ما استطعت من همومهم، كن أنت الجمال بنور صبرك على اختلاف أحوالهم معك وعداء نفوسهم الضعيفة، حينها ربما تذق وتعرف أن الحب والخير والجمال فيك .. وحينها ستعلم أن وسط الناس هناك ألف وألف أنيس ودرويش والأرض كلها جزيرتك .. ! وإن أردت، فأجعل العلم رفيقًا؛ وليكن قلبك دليلاً
- لم تأذن لي بورد سيدي 
- لا تنشغل بالعد على محبوبك فالأمر بين " يحبهم ويحبونه " فإن أردت عليك بتسبيح القلب ، الا وإن تسبيح القلب كل لحظة ينبض فيها قلبك بالحب للعالمين بلا استثناء، ولا تكن بين الناس كمن قامت قيامته ؟ 
- ‏كيف
• من ماتت في قلبه الرحمة، فقد قامت قيامته. 
• من مات الصدق في قلبه، فقد قامت قيامته.
• من مات الأمل فيه، فقد قامت قيامته. 
• من مات اللين فيه، فقد قامت قيامته. 
• من سكت عن الحق، فقد قامت قيامته. 
• من فقد الشعور بالجمال، فقد قامت قيامته. 
• من فقد شعوره بآلام الناس، فقد قامت قيامته. 
• من مات الحب في قلبه، فقد قامت قيامته . 
• من فقد بصيرته، فقد قامت قيامته. 
• ألا إن كل من مات الشعور في قلبه، فقد قامت قيامته 
 
" سَمع الفتى بقلبه إشارات السيّد فحفظها عن ظهر قلب .. عَلم أن مراد السيد ليست في رحلة البحث ذاتها، بل خوض التجربة كاملة، وعى أن الحب ليس بالأمر السهل، الحب هو من يختارك، الحب التجلي الفريد و الأسمى في الوجود لا يسعه التصنيف، ولا تحدده صورة محبوب هو اللحن الحر، تنزه أن تقيده ألة أو عازف أو عصر، تفنى كل صورة ويبقى الحب.
الحب نور من مشكاة الذات الإلهية، تتسع دائرة ضيائه في قلبك كلما صدق، تظل تتسع فلا يسعها المحبوب ويذوب فيه فلا يبقى منه إلا نور الحب
 
 إن مراد الفتى من الحب والخير والجمال لن يُخلق بروح محدودة في عوالم طفولية، بل سيخلق في روح متسعة الأفق ولن يتمدد آفاقها وتتسع الجميع دون أن تعرف، والتمدد هذا لم ولن يحدث إلا بين طبائع الناس، فطبائع الناس كالمطرقة، وقلب الفتى بلا ثقوب، فكيف له أن يعزف ترنيمة الحب بناي قلبه وهو بلا ثقوب الألم، أما روحه خام جامدة لم تتشكل بعد .. فكيف يعطي الخير دون أن تنصهر وتطرق وتتمدد وتتسع الجميع .. وكيف سيُدرك الجمال دون أن يُدرك القبح، ولن يذق الجمال دونَ أن يَذُق مرارة القبح .