«الصندوق الأسود» قصة قصيرة للكاتب عصام قابيل

الكاتب عصام قابيل
الكاتب عصام قابيل

قتله القلق والتوتر وأرهقه الانتظار , وفجأة ...انطلقت صرخة مصحوبة بالبكاء
تهلل وجهه وانفرجت أساريره وقفز يعدو نحو حجرة زوجته..
أخير جاء مولوده الأول .. يالها من فرحة تتناسب وترقيته الجديدة برتبة الكولونيل عقب انتصار روسيا في الحرب العالمية 
لقد تأخر هذا المولود كثيرا
راح يستطلع الأمر.. جاءته البشرى
مبارك جنرال , لقد رُزقت مولودة جميلة
تغير وجهه قليلا الا أنه عاد ليبتسم ...كان يظنه ولد ...ولكن لا بأس مرحبا بالآتي 
أسماها سارة
عمت البهجة على أهل البيت وراح الجنرال يداعب فتاته يوما بعد يوم يراقب عمرها الزاهي فرحا بها
ولكن لم تدم هذه الفرحة كثيراً , فقد اكتشف الكولونيل أن طفلته معاقة ذهنياً 
ولم تتحمل زوجته الصدمة فماتت كمدا وأصابه هو الجنون.. راح يبطش بمن حوله ويقتل من يغضبه بلا رحمة..
صار يتلذذ بإحضار طفلته وهي تنمو أمامه ويشهدها تعذيب من يعترض عليه أو يراجعه.. اشتد بطشه وراح يرتكب جرائم حرب في كل العمليات التي يكلف بها ثم يأتي بطفلته المعاقة وهو يصرخ
أنا أقوي رجل في روسيا بل في العالم كله
لا يستطيع أحد أن يقف أمامي .. أنا ليس لي مثيل في الأرض
وكأنما كانت تشعر تلك الصغيرة بهول ما يفعله أبوها فكانت تبكي ثم يتحول بكائها إلى صراخ مع ضحكاته وقهقهاته
ذاع صيت بطشه وجبروته وزادت شكوى كل من حوله منه ولكنه لم يرتدع
كبرت الصغيرة وقد أصابتها حالة نفسية رهيبة
كانت تستيقظ فزعة وهي تصرخ وتبكي حتى كان ذلك اليوم...شعرت بنفسها تريد أن تتحدث كثيرا...جائت بمرآتها ...نظرت إلى نفسها ...شعرت بعاطفة شديدة نحو نفسها
أرادت أن تتكلم وتملأ الدنيا كلام ...فرحت بها مربيتها وكل خدم البيت
انتظروا الكولونيل ليبشروه بما جد من حال ولكن جائهم مالم يتوقعوا
اقتحم البيت قوات كثيرة وراحوا يفتشون هنا وهناك وسارة ومربيتها وخدم البيت في ذهول
تطور الأمر ودخل الكولونيل في تحقيقات طويلة وهو ينكر بطشه وجبروته ويدعي أنه كان يحافظ على أمن روسيا وقوتها
استدعوا خدمه للسؤال , ثم استدعوا سارة
صرخت مربيتها 
- اتركوا سارة فإنها مريضة ولا تدري عن هذه الدنيا شيئا
صاحت سارة وبمنتهى القوة
- لالالا لديّ الكثير لأقوله
وراحت سارة تحكي وتحكي ما رأته وسمعته وسجلته طوال حياتها
علم الكولونيل بما جرى وما قالته سارة
استدعوه لمواجهته بما قالته ابنته
دخلوا عليه زنزانته فوجدوه مشنوقا بمفرش سريره.