إنها مصر

ألحان وطنية خالدة

كرم جبر
كرم جبر

بعد هزيمة 67 شحذ الفن كل أسلحته لمقاومة الاحتلال، وأدمعت عيون المصريين وقلوبهم، على سمسمية «محمد حمام» «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى، أستشهد تحتك وتعيشى إنتى»، و«راجعين بقوة السلاح، راجعين نحرر الحما .. راجعين كما رجع الصباح، من بعد ليلة مظلمة»، ولم تنكسر مصر رغم الهزيمة ولم تنحنِ رءوس شعبها، لأن فيها قوة ناعمة استطاعت أن تكفف الدموع وتضمد الجراح، وشكل الفنانون خط دفاع سحرى، حتى جاء النصر فى حرب 73، واختلطت أصوات المدافع وأزيز الطائرات بأغانٍ وطنية خالدة، لا تزال تحفر فى الوجدان ملحمة صمود المصريين.


لم تفهم الجماعة الإرهابية سر الفن المصرى المتوارث من أيام الفراعنة، ولأنهم نجحوا فى السطو على ثورة يناير، انعكس أفقهم الضيق وأفكارهم الرجعية على الأغنية الوطنية، فلم نسمع لحناً مميزاً أو صوتاً واعداً يشدو بحب مصر ويقدس عيونها، وأحس الفنانون أكثر من غيرهم أن وطنهم يذبح وحضارته تضيع، وأن الغربان الزاعقة تحاول اغتيال صوت عبد الحليم وعبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد قنديل، واستبدالهم بمارشات جنائزية تحض على القتل والذبح وسفك الدماء، أغانى إخوانية غريبة على الأذن والوجدان وتجرح الكيان الوطنى الواحد.


«مليش يا مصر حبيب غيرك، أهيم إليه فى الدنيا دى.. دا أنا اللى متربى فى خيرك وإزاى راح انسى هوا بلادى»، هكذا جاء صوت الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب من عشرات السنين، بأغنيته الوطنية الرائعة «حب الوطن فرض عليا»، ليوقظ الحماس بأغنية من نوع العشق الوطنى الناعم الذى لا يعرف الصراخ والصخب، ورغم سهولة اللحن إلا أنه يفتت الصخر فى القلوب، وغنى وراءه الملايين حيث كانت تلك الأغانى سلاحاً لشحذ الهمم واستعادة الروح، وتجسيد القوة الناعمة المصرية فى أحسن صورها.


أصبحت الأغانى الوطنية هى العدو اللدود للإخوان، واعتدوا على المواطنين والسيارات والسرادقات التى تتغنى بها، لأنها ببساطة أعادت رسم البسمة على الوجوه والشفاه، واستحضرت فى نفوس الناس ذكريات الأغانى الوطنية، وقالت لهم إن مصر بلد الفن وليس القبح، وأن شعبها قد يجوع ولكن يغنى، وان المشاعر الوطنية فى أعماقهم كانت تنتظر من يزيحكم عنها، فغنوا ورقصوا وضحكوا وعادت ابتسامتهم وخرجوا فى 30 يونيو لاستكمال تحرير وطنهم من  براثن التخلف والرجعية، وأعداء الحياة والفرحة والبهجة، ولن يفهموا الدرس أبداً وهو أننا شعب يعزف النيل فى أعماقه لحن الخلود.