في الصميم

جلال عارف يكتب: حتى تكون بداية حقيقية لإصلاح التعليم!

جلال عارف
جلال عارف

نأمل أن يستمر الحوار ويتعمق حول مشروع قانون المجلس الأعلى للتعليم، فنحن أمام خطوة طال انتظارها وينبغى التعامل معها بموضوعية كاملة، وبإدراك سليم بأننا إزاء قانون أساسى لوضع التعليم على مسار صحيح بعد سنوات من الاضطراب فى إدارة هذا الملف بالغ الخطورة فى مستقبل مصر.

ورأينا كيف تنقلب أوضاع التعليم مع «رؤية» كل وزير يتولى مسئولية التعليم، وعانينا من النتائج المريرة لغياب استراتيجية متفق عليها تحكم العملية التعليمية من البداية للنهاية.

ولاشك أن معالجة هذا الوضع هو الأساس الضرورى فى تشكيل المجلس الجديد المقترح، فليس المطلوب إضافة جهاز تنفيذى آخر إلى أجهزة عديدة موجودة بالفعل، وإنما الأساس هو أن يكون المجلس الجديد هو المخطط العام الذى يضع استراتيجية متكاملة للتعليم والسياسات العامة التى تضمن وجود نظام تعليمى حديث يعد أبناءنا لكى يكونوا طاقات علم وإبداع يبنون المستقبل بعقول متفتحة وطموح يسابق الزمن ويعرف كيف يتعامل مع كل التحديات.

وضع الاستراتيجية العامة للتعليم التى يلتزم بها الجميع هو المهمة الأساسية المطلوبة، ومعها تأتى مهام لا تقل خطورة مثل اقتراح القوانين الخاصة بالتعليم، ومراقبة أوضاع العملية التعليمية فى مختلف مراحلها ورصد الإيجابيات والسلبيات، ووضع كل ذلك فى تقرير سنوى يوضع أمام رئيس الجمهورية الذى يتبع له المجلس مباشرة.

هذا يعنى أن تكون عضوية المجلس للعلماء والخبراء المرموقين، وأن يتمتع بالاستقلالية الكاملة، أما الجانب التنفيذى فهو مسئولية الحكومة التى تلتزم بالاستراتيجية العامة والسياسات المقررة، وتدير الملف من خلال الوزارات المسئولة عن التعليم والبحث العلمى.

وتنسق بين الوزارات والهيئات التى يتصل عملها بهذا الملف من خلال لجان وزارية أو ما تراه من وسائل أخرى تحقق أقصى استفادة من الإمكانيات المتاحة من أجل عودة العملية التعليمية لمسارها السليم.

الفصل بين واضع الاستراتيجية والسياسات العامة (المجلس الأعلى للتعليم) وبين المسئولية التنفيذية التى تتولاها الحكومة أمر مهم، لكن التكامل بين الجهتين أمر ضرورى يتحقق من خلال تبعية المجلس المقترح لرئيس الجمهورية، وأيضاً من خلال تحديد الاختصاصات واستقلالية المجلس وكونه جهة تخطيط ومتابعة، مع انفراد الحكومة بمسئولية التنفيذ بصورة كاملة.

والوضع نفسه بالنسبة للتدريب وللبحث العلمى لتحقيق التكامل فى العملية التعليمية، ومع الاعتراف بأن ما حدث للتعليم عندنا ترك آثاره الوخيمة على البحث العلمى من ناحية، وعلى تأهيل شبابنا لأسواق عمل تشهد تغييرات كبيرة وتستلزم جهداً كبيراً فى التدريب الذى لم يعد مجرد تأهيل للالتحاق بعمل، بل أصبح ضرورياً للاستمرار والتفوق فى ظل تحديات هائلة يشهدها العالم كله يكفى فقط أن نذكر منها أن تطور الذكاء الصناعى يهدد وظائف عديدة سيقوم بها «الروبوت» بدلاً من البشر، وسيكون على مئات الملايين أن يتدربوا على مهن جديدة.

لم نصل بعد لمرحلة مواجهة هذا التحدى لكنها قريبة، ولكننا نواجه حاجة ضرورية للتوسع فى التدريب كما فى التعليم، لكى نكون قادرين على المنافسة فى أسواق العمل والاستفادة من ثروتنا البشرية التى تواجه منافسة تشتد فى الأسواق العربية والأجنبية لن نربحها إلا بالتأهيل الجيد والتعليم المتفوق والتدريب المستمر.

ويبقى الأهم.. أننا ـ مع قضية التعليم ـ لا نبحث فقط عن فرصة عمل (وهذا مهم بالطبع) لكننا أيضاً وأولاً نبحث عن مستقبل فى وطن يستحق كل ما هو أفضل.. ولهذا يبقى أسياسياً أن يكون ارتباط التعليم بالمواطنة هدفاً لكل العملية التعليمية، وأن ننهى هذا الاضطراب (أو الفوضى) فى التعليم الأساسى الذى لابد أن يكون موحداً ومتاحاً للجميع على قدم المساواة وبدون ذلك فإننا نحرث فى الماء!!

ملاحظة أخيرة.. أعظم تحية لذكرى العظيم الخالد طه حسين أن يكون اليوم هو الحاضر الأكبر فى الحوار عن التعليم، ليس فقط كوزير أرسى قواعد مجانية التعليم الأساسى، وإنما كصاحب رؤية مازلنا نحتاجها ونحن نبحث عن استراتيجية للتعليم كان مبادراً فى طرحها فى «مستقبل الثقافة فى مصر» ليتنا ننجز القانون الجديد ـ مستلهمين  رؤيته ـ ليكون تحية لروحه فى ذكرى مرور خمسين عاماً على الرحيل.