إنها مصر

كرم جبر يكتب: الكهوف المظلمة !

كرم جبر
كرم جبر

المشكلة الكبرى التى عانت منها مصر طويلاً هي الخلط بين الدين والسياسة، وتوظيف الدين الحنيف لمطامع وأغراض شخصية، فمن يريد التسلل إلى الناس، لا يتورع فى الاجتراء على الإسلام بما ليس فيه، ومن يبحث عن الشهرة الكاذبة، يفعل مثل كثير من الدعاة المزيفين، الذين لا يمتلكون مؤهلات الإفتاء.

أما الابتلاء الأكبر فهو الصراع السياسى على السلطة، وتوظيف الدين ليكون وسيلة للوصول إلى الحكم، ولم يدخل هذا الداء بلداً إلا ودفع ثمناً فادحاً، وفجر بين أبنائه بحوراً من الدماء، فكل المتقاتلين يزعمون أنهم ينفذون شريعة الإسلام، ويذبحون ويقتلون ويعتدون على المال والأعراض باسم الدين، مع أن جوهر الأديان هو الهداية ونشر المحبة والسلام، وليس القتل وإراقة الدماء.
لم تتحقق عظمة الإسلام بالسيف والقسوة، وإنما بالعقل والرحمة، وتثبيت الأخلاق الكريمة، ونشر التعاليم الصحيحة، وهذا عكس ما يحدث الآن، يحاول البعض الرجوع للخلف بدلاً من السير للأمام، والذهاب للمستقبل، بالعودة إلى الكهوف المظلمة.

■ ■ ■

كنت أسعد حظاً بتعلم أصول المهنة من «الأسطوات» الكبار، وحين دخلت روزاليوسف في بداية الثمانينيات، كان الدور الخامس بمبناها شارع قصر العينى، نادياً مزدحماً بعظماء الكتاب، الغرفة المواجهة للأسانسير أحمد حمروش، وفى غرف الممر الدائرى يمين، فايزة سعد وجمعة فرحات، وبعدها ناصر حسين، وعبدالفتاح رزق، والشاب طارق الشناوى، ثم صالة التحرير وبعدها غرف عاصم حنفى «شفاه الله»، ومحمود السعدنى، وفتحى غانم، وصلاح حافظ، ثم عبدالله إمام ومحمود المراغى، وعبدالستار الطويلة ومحمود ذهنى، وأسطى رسم الماكيتات عدلي فهيم.
الجيل الحالي من الصحفيين قد يكون مظلوماً، بعضهم لم تتح له فرصة الاحتكاك بالكبار، فلم يشربوا المهنة من أصولها، ولكن ألمس في بعض زملائي الشباب طموحاً جارفاً لاستعادة الأصول، بتقاليدٍ متطورةٍ تحافظ على الثوابت، وتمنع كل من يعرقل صعودهم للمستقبل.

■ ■ ■


أغانى عبد الحليم حافظ فى الحب ورود وأزهار، وفى الوطنية طلقات رصاص.. تحولت الكلمات العاطفية على لسانه إلى أحضان وقبلات وحب وهيام ولوعة وفراق ولقاء ووداع وفرحة وعذاب «صافينى مرة، موعود، زى الهوا، لايق عليك الخال، جبار، بتقولى بكرة».

أما الأغاني الوطنية فكانت طاقة إيجابية ألهبت الحماس والمشاعر وأيقظ حب الوطن الكامن في الأعماق، « صورة، يا أهلاً بالمعارك، عدى النهار، فدائى».. سنوات طويلة مرت على وفاته وما زال يعيش بيننا، لأنه كان يغنى بروحه ودمه ومشاعره وأحاسيسه، والناس صنفان: موتى في حياتهم وآخرون بباطن الأرض أحياء.