إنها مصر

كرم جبر يكتب: «دماء على ثوب العدالة !»

كرم جبر
كرم جبر

فى صباح يوم حزين من شهر مارس 1948، كان القاضي أحمد الخازندار وكيل محكمة استئناف مصر يخرج من منزله فى شارع رياض ضاحية حلوان فى ساعة مبكرة منتشياً بهدوء تلك الضاحية الجميلة وهوائها النقى.. وفجأة انطلقت 14 رصاصة غادرة اخترقت ثلاث منها قلبه وصدره، وسقط على الأرض غارقاً فى بركة من الدماء، وسقطت ملفات القضايا التى يحملها فوق دمائه الساخنة، وأسلم القاضي العادل روحه لبارئها.

كانت دماؤه إدانة دامغة على جرائم الاغتيال السياسى التى يرتكبها الإخوان المسلمين - وأصبح نموذج «الخازندار» ميثاقاً لكل حوادث العنف التى شهدتها البلاد وارتكبها إرهابيون رضعوا الدماء من فتاوى الشيوخ الكبار، وأصحاب خدعة «نحن رجال دين ولا نفكر فى السياسة».

ووقف النائب العام فى ذلك الوقت ينعى بكلمات أسخن من الدموع وقائع اغتيال العدالة ويقول: «لم أعرف حادثاً غلت له الصدور غلياناً من السخط والغضب والاشمئزاز كهذا الحادث.. ولم أر جريمة أحس كل من علم بها أياً كان موضعه فى المجتمع بأنه مجنى عليه كهذه الجريمة.. ولم أشهد عملاً حارت الأمة فى صرفه وتفسيره كهذا العمل الشائن البشع الذى أخذ الناس على غرة، وفاجأهم على غير استعداد.. والذى ما خطر وقوعه فى خيال مهما أغرق وأسرف وأبعد فى إساءة الظن، وتوهم الشر وتوقع السوء».
كان الخازندار أصدر حكماً قبل اغتياله بالسجن ثلاث سنوات على بعض أعضاء الجماعة، وكانت أدلة الإثبات دامغة واستخدم معهم الرأفة.. فصدر حكم إعدامه ونفذه شابان من أعضاء الجماعة أحدهما فى العشرين من عمره والثانى فى الثانية والعشرين.. وأثبتت تحريات البوليس أن الشابين قضيا ليلتهما فى دار شعبة الإخوان بحلوان، وتم تلقينهما خطوات تنفيذ الجريمة البشعة وحملا السلاح ونفذا الجريمة ضد القضاء والعدالة والقانون، وأوحى الشيوخ للقاتلين بتمثيل دور المجانين للإفلات من المحاكمة، ولكن الطبيب الشرعى الذى راقبهما فى المستشفى أثبت أنهما سليما العقل.

أما النموذج الثانى فكان اغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر الأسبق، ففى تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر سنة 1948، وصل النقراشى باشا إلى المبنى الرئيسى لوزارة الداخلية.. وأثناء صعوده درجات السلم الذى يحيط به كالمعتاد حرس الوزراء وآخرون يرتدون الملابس الملكية، وقبل وصوله إلى المصعد الموصل للدور الثانى، أطلق عليه عبد المجيد حسن، وكان مرتدياً ثياب ضابط برتبة ملازم أول، رصاصتين قضتا عليه فوراً.

وكان النقراشي قد أصدر أمراً عسكرياً بحل جماعة الإخوان المسلمين، وتعيين مندوب خاص مهمته تسلم جميع أموال الجمعية وتصفية ما يراه.

ولم يفعل النقراشي ذلك انتقاماً أو تصفية لحسابات مع الإخوان، وإنما بموجب مذكرة تلقاها من عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام، رصدت جرائم الإخوان من القتل والنسف والتدمير.