حكايات| الطقوس الأكثر رعبا في العالم.. قبيلة تعيش مع الموتى | صور وفيديو

شعب «توراجا»
شعب «توراجا»

الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة، ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها، فالموت ليس نهاية القصة ولكن بدايتها.. من هذا المنطق تقوم قبيلة «توراجا» في إندونيسيا بإخراج موتاها من قبورهم في شهر أغسطس من كل عام، إيمانا بأن الموت ليس حدثا عاديا إنما بداية حياة جديدة.

شعب «توراجا»
بطقوس ومراسم خاصة في احتفالية تسمى «ماينين» والتي تعني حفل تنظيف الجثث، يقوم شعب «توراجا» في جنوب سولاوسي الأندونيسية بإخراج موتاهم من القبور ثم ينظفونهم ويلبسونهم ملابس جديدة ويزينوهم بالحلى في اعتقاد منهم بأن ذلك نوعا من إظهار المودة والحب ورد الجميل لهم.

احتفال «ماينين» يتضمن أيضا حفل لتنظيف الجثامين وتمشيط شعرها وجعلها في أبهى صورة، بالاضافة إلى إصلاح التوابيت التالفة أو استبدالها بأخرى جديدة قبل إعادة الموتى إليها مرة أخرى. وتقوم بعض العائلات أيضا بالاحتفاظ بجثث موتاها في منازلهم وقد تؤجل مراسم دفنها لمدة قد تصل إلى أسابيع أو شهور وحتى سنوات في سبيل بقاء المتوفى لأكبر فترة من الوقت مع أقاربه في ذات المنزل.

اقرأ أيضا| حكايات| «بتعذيبها وهي في سن الثالثة».. رحلة أب لتحويل ابنته إلى «كائن خارق» | صور وفيديو

وفي تلك الرقعة النائية من إندونيسيا، لا تتعجب حين ترى سيدة تزيح ستائر مدخل منزلها الذهبية وتهمس لزوجها: «ها قد حضر ضيوفنا»، ثم يدخل ابنها الأصغر بهدوء حاملا صينية طعام لوالده، قائلا: «ها هو الأرز يا أبي مع سمكتك»، ثم تعود الزوجة لتقول: «استيقظ لتتناول طعام الغداء يا عزيزي»، في نفس الوقت الذي قال فيه الابن الأكبر: «إنها تلتقط لك صورة يا أبي»، مشهد عائلي مؤثر لا يعكر صفوه سوى شئ واحد، وهو أن الزوج قد مات بالفعل منذ أسبوعين ولكنهم يتعاملون معه وكأنه حي، يعيش معهم في ذات البيت ويقدم له من ذات الطعام والشراب وقد يشارك أيضا في استقبال الضيوف والترحيب بهم.

ولا تتعجب أيضا إذا دخلت أحد منازل التوراجان ووجدتهم يعرفونك على الجد الأكبر وهو مرتدي ملابسه الأنيقة ونظاراته المميزة، حيث تظن أنه على قيد الحياة،  ولكن عدم تفاعله معك يجعلك تتوجه بالسؤال عن السبب، لتكون الإجابة أنه متوفي منذ عشرات السنين أو الشهور وبقائه في منزله بسبب عدم الانتهاء من استعدادات الجنازة الخاصة به.

«أرواحهم تبقى موجودة.. أنهم لا يموتون حقا».. هكذا يعتقد سكان توراجا، وربما هذا ما يدفعهم للاحتفاظ بالجثامين لشهور وسنوات، حيث يعيش معهم المتوفى جنبا إلى جنب، بخلاف أن عملية دفن الميت لا تتم حتى يجتمع كل أقاربه حتى أولئك المسافرون أو الذين يقطنون في مناطق بعيدة. كما أن عملية الدفن تتسم بالغرابة، حيث يتم وضع الجثمان داخل صندوق خشبي لكنه لا يدفن في باطن الأرض ولكن يتم وضعه داخل مغارة طبيعية ليتمكنوا من إخراج الجثمان في شهر أغسطس من كل عام.

اقرأ أيضا| حكايات| قبيلة كوما.. يعيشون عراة ويتشاركون الزوجات ويوأدون التوائم | صور وفيديو

موتى على قيد الحياة
تعامل جثة المتوفى كما لو أنها لا تزال على قيد الحياة، ويعتقد البعض أن الروح لا تزال قريبة في انتظار رحلتها إلى الدفن، ويقوم أهل القرية بتلبيس الجثة الملابس وتقديم الوجبات الطازجة كما لو كان على قيد الحياة حتى تبدأ مراسم الجنازة.

ويستخدم سكان القرية الأشجار كقبور لدفن الموتى حتى من الرضع حيث يضعونهم داخل جذوع النباتات الحية وذلك حتى يتم امتصاص أجسامهم من قبل الطبيعة مع مرور الزمن، وبعد ذلك يتم إغلاق تلك التجويفات بألياف النخيل، ويعتقد سكان المنطقة أن جسم الرضيع المتوفي قد تم امتصاصه من قبل الطبيعة. وتقام هناك الجنائز في احتفالات كبيرة، ويشارك فيها جميع أفراد عائلة المتوفى وجميع أعضاء القرية وسط تقاليدهم القديمة للعادات الجنائزية التي كانت تمارس على مدى قرون عديدة.

لقد اعتاد أهل هذه القرية معالجة جثث ذويهم بالفورمالين - والذي يعد خليط من المياه المالحة والفورمالدهيد - بعد موتهم بفترة قصيرة لكي لا تتعفن الجثة لكنها بمرور الوقت تصير أقرب إلى المومياء. بعدها تستمر مراسم الجنازة لمدة أربعة أيام برفع الجسد من السرير إلى التابوت، وتصوير الموقف لحظة بلحظة ثم يعاد مرة أخرى إلى المنزل، ليمكث فيه أشهر أو سنوات حتى يحين موعد جنازته في آخر العام، ويظل أهله حريصين على عدم تركه بمفرده في المنزل لاعتقادهم أن روحه لا تزال موجودة فيه.

الموت مٌكلف
وحين يحين الوقت تأتى مراسم الجنازة والتي يرافقها ما يقرب من مائة دراجة نارية، والتي تتسبب في توقف حركة المرور من مدينة لأخرى، حتى سيارات الإسعاف والشرطة يتعذر عليهم العبور في مشهد مهيب حيث يتفوق هنا مشهد الموت على الحياة. ومن غير المعروف تحديدا متى بدأت تلك الطقوس في توراجا، لأن لغتهم لم تكتب إلا في أوائل القرن العشرين، لذا فإن معظم التقاليد تنتقل شفهيا، ولكن في الآونة الأخيرة استنتج علماء الآثار أن بعضا من تلك الطقوس تعود إلى القرن التاسع على الأقل، وذلك من خلال التاريخ الكربوني لشظايا تابوت خشبي.

يعتبر الموت لدي سكان توراجا أمر ذات تكلفة اقتصادية كبيرة ومحوري، حيث تظل العائلات تدخر لعدة سنوات حتى يتمكنوا من تحمل تكاليف الجنازة والتي تصل  إلى 18 ألف دولار للجنازات المتوسطة، بينما تصل إلى 73 ألف دولار للجنازات الكبيرة. ولك أن تتخيل أن هناك الآلاف من الأشخاص من عمال المزارع الذين يعد الموت هو مصدر رزقهم في ظل أنهم يعتنون بالماشية القربانية باهظة الثمن والمطاعم والفنادق لإقامة الضيوف والحرفيين الذين يقومون بتصنيع تماثيل «تاو تاو» الخشبية الخاصة بيتزين القبور. 

وسكان القرية هم مجموعة عرقية من السكان الأصليين الذين يعودون إلى الجبال في جنوب سولاويزي على مسافة 186 ميلا شمال العاصمة ماكاسار بإندونيسيا ويشتهرون بالمنحوتات الخشبية التقليدية والغريبة مع منازل أجدادهم الضخمة، إلا أنهم أحد الشعوب المميزة كثيرا بطقوس الموت بما لديهم من بعض الطقوس العجيبة عند الموت من طقوس الجنازة الأكثر تعقيدا في العالم. 

شعب توراجا حصل على اسمه من اللغة الإندونيسية الأصلية التي تعني «الناس في الأعلى»، نسبة إلى موطنهم في قمة منطقة جبلية في جنوب جزيرة سولاويزي، وهي إحدى الجزر الرئيسية في الأرخبيل الإندونيسي، ويبلغ عدد سكان القرية حوالي مليون و 100 ألف نسمة، 450 ألف منهم يعيشون في أرض توراجا التي يؤمن معظمهم بالديانة المسيحية، ولكن يوجد هناك أيضا مسلمون بالإضافة إلى بعض المعتقدات الوثنية المحلية المعروفة باسم «Aluk To Dolo» والتي يرجع تاريخها إلى قبل القرن الـ 20، ويعيش سكان توراجا في قرى مستقلة ليستطيعوا ممارسى الأعمال الرواحية بمنأى عن العالم الخارجي.

فيانت لايوك، أحد أعضاء قبيلة توراجا الإندونيسية، يقول في مقابلة مع صحيفة فرانس 24: «يتصرف التوراجا كما لو أن موتاهم لا يزالون على قيد الحياة». وعن خطوات الطقس الخاص بقبيلته يضيف: «أولاً، يفتح الناس مقابر عائلاتهم ويخرجون توابيت أسلافهم. ثم يأخذون الجثث. بعد ذلك، يقومون بتنظيف الجثث وإزالة الغبار وأي عفن نما على الجثمان. إذا كان الجثمان لا يزال يتمتع بشعره، يقومون أيضاً بتصفيفه وتزيينه. وبعض العائلات تعطي أجدادها السجائر وترش لهم العطر، كما يتحدثون إلى الجثث كما لو كانوا لا يزالون على قيد الحياة. ثم يضع أهل القرية الجثث المنبوشة في الشمس لمساعدتها على الجفاف، ما يساعد في الحفاظ عليها وتحنيطها نسبيا. ثم يلبسونهم ثيابا جديدة ويلتقطون الصور معهم قبل إعادتهم إلى قبورهم».

اقرأ أيضا| حكايات| حَملة الجماجم.. «الأغوري» قبيلة تعاشر الموتى وتأكل لحوم البشر |صور وفيديو

بدوره، يقول جان بول روكل، رئيس خدمات الجنائز الفرنسي، إن «هذه الممارسة لا تشكل أي مخاوف خطيرة تتعلق بالصحة.. قد يكون الأشخاص الذين يتعاملون مع الجثث معرضين لخطر العدوى من الجراثيم التي تتعلق بتحلل الجثث، لكن الجراثيم المرتبطة بالأمراض الشائعة في الأزمنة التي عاش فيها هؤلاء الأسلاف لم تعد نشطة بعد كل هذا الوقت».

على الجانب الآخر، تجذب تلك الطقوس بعضا من السائحين حيث يجدون فيها أن الروابط الإنسانية والتواصل دون هوادة مع الموت والمرح الخالص في تلك الاحتفالية يدفهم لتغيير تفكيرهم حول عادات وثقافات مثل تلك القبائل والشعوب، ويجدون في تقديسهم لموتاهم والحرص على إخراجهم للاحتفال معهم جانب أخر غير مخيف وهو إظهار المودة والحب وسط تعلقهم بمواتاهم.