فى الصميم

أكبر من أزمة بنك!!

جلال عارف
جلال عارف

أسوأ ما فى أزمة البنوك التى بدأت فى أمريكا وانتقلت آثارها إلى أوروبا، وتترقب الأسواق المالية العالمية تطوراتها لحظة بلحظة، أنها تأتى فى وقت تعانى فيه اقتصادات العالم "وفى المقدمة اقتصادات الدول الكبرى" من مصاعب جمة، بعد أن دفعت فواتير وباء "كورونا" الباهظة، ثم انتقلت لتواجه حرب أوكرانيا بآثارها المدمرة.. لينعكس كل ذلك فى تضخم هائل وتراجع فى معدلات النمو ومخاطر من ركود يعصف باستقرار الأسواق العالمية.


فى هذا المناخ الاقتصادى الذى تسيطر فيه عوامل الريبة والشكوك على الأسواق المالية العالمية، كان طبيعيًا أن تتحول أزمة سيولة فى بنك أمريكى إلى خطر داهم على اقتصاد أقوى دولة فى العالم، وأن تثور المخاوف من أن تنتقل "عدوى" الإفلاس من بنك لآخر مع تكالب المودعين على سحب أموالهم. ومن هنا كان التحرك السريع لمحاصرة الأزمة، وتأكد الرئيس الأمريكى "بايدن" فورًا على أن النظام المصرفى سليم فى أمريكا، وأن أموال المودعين آمنة.


ورغم الجهود التى تُبذل لمواجهة الأزمة، فقد تعثر بنكان آخران فى أمريكا ثم انتقلت الأزمة إلى أوروبا مع تهاوى ثانى أكبر بنك فى سويسرا "بنك كريدى سويس" ولأن الرئيس الأمريكى قال إن مواجهة الأزمة لن تكون من الموازنة العامة ولا على حساب دافع الضرائب، فإن المواجهة تتم ـ حتى الآن ـ من داخل الجهاز المصرفى نفسه، حيث تم توفير ٣٠ مليار دولار لبنك "فيرست" حتى لا يلحق ببنك "وادى السليكون" وينهار مثله، كما تم توفير أكثر من ١٥٠ مليار دولار للبنوك الأمريكية من صندوق الاحتياطى فى البنك المركزى. وعلى نفس الطريق سارت سويسرا حيث قامت البنوك الكبرى بتوفير أكثر من ٥٠ مليار دولار لدعم بنك "كريدى سويس" ومنع إفلاسه.


هناك تفاؤل حذر بالنجاح فى حصار الأزمة ومنع انتشار "العدوى" إلى باقى الجهاز المصرفى. لكن ذلك يقتضى - على وجه السرعة - حل التناقض بين الرفع السريع لمعدلات الفائدة لمواجهة التضخم من ناحية.. ومشكلة البنوك المطالبة بدفع الفوائد المرتفعة بينما نسبة كبيرة من أرصدتها "محبوسة" فى قروض لمشروعات مهمة أو سندات حكومية بفائدة لاتتجاوز 1٪!!
ثم يبقى السؤال الأهم: هل تستمر الحرب فى أوكرانيا بكل آثارها الوخيمة؟ وهل يستمر تدفق الأموال على شركات السلاح لكى تستمر حرب يعرف الجميع أن أحداً لن ينتصر فيها، بينما الأزمة تضرب أكبر اقتصادات العالم؟!