في الصميم

جلال عارف يكتب: إنها قضية أمن قومي

جلال عارف
جلال عارف

رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها، ويمر بها العالم كله.. فإن علينا أن ندرك أن باب الخروج إلى الأفضل لابد أن يمر بتنظيم الإنتاج، وبضخ أقصى ما نستطيع من استثمارات فى بناء المصانع وتوسيع رقعة الأرض الزراعية، وفى دعم البحث العلمى ليكون أساسيا فى التخطيط والتنفيذ لتكون كل مشروعاتنا الجديدة قادرة على المنافسة العالمية «سعرا وجودة» وليكون كل ذلك نتاج تخطيط علمى للاستغلال الكامل لكل ثرواتنا الطبيعية وامكانياتنا البشرية.

المهمة ليست سهلة، ولكن لا بديل عنها لنبنى اقتصادنا على أسس سليمة. والظروف صعبة، لكننا قادرون على أن نجد فيها أيضا فرصة واعدة للصناعة الوطنية لكى تنمو،  وللزراعة المحلية أن تتوسع رأسيا وأفقيا. ولاشك أن ما قمنا به فى السنوات القليلة الماضية لتوفير البنية الأساسية اللازمة كهرباء وطرق وطاقة، واصلاحات تشريعية وإدارية، يجعل الطريق ممهدا أمام المستثمر الوطنى والأجنبى ليتجه باستثماره للقطاعات المنتجة لسوق محلية واسعة، ومع فرصة للتصدير يتيحها موقع مصر وعلاقاتها الاقتصادية المتعددة.

المهمة ليست سهلة والظروف صعبة.. لكننا عبرنا- قبل ذلك - الأصعب ونعرف جيدا أن بناء مصر القوية دائما ما يجد المتربصين به.. لقد بنينا السد العالى وقلاع الصناعة فى ظل عداء وحصار اقتصادى فرضه الغرب علينا. وأقمنا بعض أكبر صناعاتنا مثل «مجمع الألمونيوم»، ونحن  نخوض حرب الاستنزاف ثم ملحمة العبور. ورغم الظروف الصعبة الآن فإن تكثيف الجهد فى الصناعة والزراعة هو قضية أمن قومي، ومعركة لابد أن يتكاتف فيها الجميع.. ليس فقط لعبور أزمة طارئة، وإنما لبناء قاعدة راسخة لاقتصاد قوى يملك كل الامكانيات ليكون فى المقدمة.

ومهما كانت التكلفة، فلا شك أننا سنكون فى وضع أفضل بكثير حين نحقق خطة التوسع الزراعى التى توفر الأمن الغذائي، وحين نضاعف انتاجنا الصناعى وصادراتنا منه، وحين نستغل ما أعطانا الله من امكانيات من الطاقة والكهرباء فى التصنيع قبل أى شيء، وحين لا تكون صادراتنا من المواد الخام بل من تحويلها لمنتجات صناعية، وحين يكون نجاحنا فى تحقيق ذلك هو العامل الأول فى جذب الاستثمارات الأجنبية لتضيف لإنتاجنا الصناعى والزراعي، ولتغلق صفحة المغامرات المالية السريعة التى عرفنا آثارها الوخيمة وهى تنسحب بالسرعة التى دخلت بها!!
إنها قضية أمن قومى لا مجال فيها إلا لتحمل المسئولية من الجميع «المنتج والمستهلك والمستثمر والإدارة الحكومية»، ولا طريق لها إلا تحمل العبء كاملا من أجل صناعة وطنية قوية، وزراعة لا تتوقف عن التوسع والتطور لتلاحق الملايين التى تضاف لتعدادنا فى كل عام.. وهذا هو الوجه الثانى للقضية إذا كان جادين فى تحقيق تقدم حقيقى تعود منافعه على كل مواطن بدلا من أن تضيع مع هذه الزيادة السكانية التى تلتهم كل ثمار التنمية، وتضاعف العبء على الوطن وعلى المواطن.

لقد أعلنت الحكومة عن مبادرة المكافآت المالية لكل أم تكتفى بطفلين بمنحها ألف جنيه كل عام تصرف لها بعد الخامسة والاربعين.. الحوافز المالية مطلوبة خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وهى تأتى مع برامج للتوعية والخدمة الصحية للأمهات.. لكنها مازالت تواجه ميراثا من ثقافة سلفية تتاجر بالدين وتستغل الأوضاع خاصة فى الريف لكى تنشر فكرا متخلفا تبرأ منه أصحابه بعد أن صدروه لنا!!

المعركة الأساسية ستكون هنا وتأجيلها لن يفيد الوطن فى شيء. لا بديل عن مواجهة حاسمة مع هذا الفكر المتخلف الذى يحتقر العلم، ويدعو لانجاب أكبر عدد من الأطفال لكى «يجاهدوا»، فى معاركه لنشر التخلف.. لم يعد ممكنا استمرار غياب دور ثقافى مستنير يصل لأعماق الريف ولم يعد ممكنا استمرار غياب  تعليم أساسى موحد لكل أطفالنا. ولم يعد ممكنا استمرار وضع يتم فيه التحايل لتزويج الاطفال وحرمانهم من التعليم والحياة الطبيعية.

بوضوح شديد.. الأم المتعلمة، والمجتمع المتحرر من ثقافة التخلف، والطفل الذى يكون حقه الطبيعى ان يحلم بكل جميل وطيب فى هذه الحياة لا أن يبيع المسابح على أبواب المساجد. هذه هى أبواب النجاة التى لابد أن نفتحها لكى نصنع مستقبلا يسع الجميع، ويكونون فيه منتجين ومبدعين، وتصل فيه نتائج التنمية إلى أطفال يولدون وأمامهم المستقبل الأفضل من خلال معادلة لا بديل عنها: إنتاج أكثر، وأسرة أصغر، ووطن ينتمى إلى الغد، ولا يرضى بأن يظل الفكر المتخلف يعطل مسيرته.