هل تنزل إشارة الأخرس بالقرآن منزلة النطق باللسان في التعبد؟ الإفتاء تُجيب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ورد إلى دار الإفتاء سؤالا يقول فيه صاحبه: هل تنزل إشارة الأخرس بالقرآن منزلة النطق باللسان في التعبد؟

وأجابت دار الإفتاء بأنه قد اتفق الفقهاء على أن قراءة القرآن ينبغي أن تكون بحركة اللسان، وأن القراءة بالنظر والقلب هي تدبر وتفكر لا قراءة، واقتصر المالكية -والكرخي من الحنفية وابن تيمية من الحنابلة- على حركة اللسان وإن لم يسمع نفسه، وقال المالكية: إن الأولى أن يسمع نفسه، وزاد الحنفية والشافعية والحنابلة أنه لا بد للقارئ أن يسمع نفسه؛ لأن مجرد حركة اللسان لا يسمى قراءة إن كانت بلا صوت؛ لأن الكلام اسم لمسموع مفهوم.

وتابعت الدار: وقال العلامة الحلبي من الحنفية في "غنية المتملي شرح منية المصلي" (ص: 136، ط. دار سعادات): [والقراءة تصحيح الحروف بلسانه؛ بحيث يسمع نفسه، فإن صحح الحروف من غير أن يسمع نفسه لا يكون ذلك قراءة في اختيار الهندواني والفضلي،... وقيل: إذا صحح الحروف تجوز وإن لم يسمع نفسه، وهو اختيار الكرخي،... وفي "المحيط": الأصح قول الشيخين، وفي "الكافي" قال شمس الأئمة الحلواني: الأصح أنه لا يجزيه ما لم تسمع أذناه ويسمع من يقربه] اهـ.

وقال الإمام ابن الهمام الحنفي في "شرح فتح القدير على الهداية" (1/ 233، ط. الأميرية): [واعلم أن القراءة وإن كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام، والكلام بالحروف، والحرف كيفية تعرض للصوت، وهو أخص من النفَس، فإنه النفس المعروض بالقرع، فالحرف عارض للصوت لا للنفَس، فمجرد تصحيحها بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف، فلا كلام، بقي أن هذا لا يقتضي أن يلزم في مفهوم القراءة أن يصل إلى السمع، بل كونه بحيث يسمع وهو قول بشر المريسي، ولعله المراد بقول الهندواني بناء على أن ظاهر سماعه بعد وجود الصوت إذا لم يكن مانع] اهـ..

وأوضحت الدار بأن الأخرس العاجز عن النطق فليس عليه تحريك لسانه، وإن كان يستطيع تحريك لسانه، فعند المالكية والحنابلة -وهو الصحيح عند الحنفية- لا يجب على الأخرس تحريك لسانه، وإنما يُحرِم للصلاة بقلبه؛ لأن تحريك اللسان عبث، ولم يرد الشرع به.


وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 331، ط. دار الفكر): [والأخرس ومقطوع اللسان يُحرِم بقلبه؛ لعجزه عنه بلسانه، ولا يحرك لسانه؛ كمن سقط عنه القيام يسقط عنه النهوض إليه، وإن قدر عليه؛ لأنه عبث، ولم يَرد الشرع به، كالعبث بسائر جوارحه، وإنما لزم القادر ضرورة، وكذا حكم القراءة والتسبيح وغيره، كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام: يأتي به الأخرس ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه؛ لما تقدم] اهـ.

واختتم الدار بقولها : وإن أشار الأخرس تعبيرًا عن القراءة فإن إشارته تقوم مقام نطقه؛ لأنها تبين المراد كالنطق؛ قال الإمام الزركشي في "المنثور في القواعد" (1/ 164، ط. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت): [وكان السبب فيه أن الإشارة فيها بيان ولكن الشارع تعبَّد الناطقين بالعبارة فإذا عجز الأخرس -بخرسه- عن العبارة أقامت الشريعة إشارته مقام عبارته] اهـ.