كنوز| أمير الصحافة يصحح أكـاذيب كتب التاريخ عن «جان دارك» !

تمثال جان دارك --  محمد التابعى
تمثال جان دارك -- محمد التابعى

فى ميدان «بيراميد» بباريس يقوم تمثال من البرونز لفتاة بملابس الحرب تمتطى صهوة جواد للقديسة «جان دارك» ويحتفل الفرنسيون فى الأسبوع الثانى من شهر مايو من كل عام بعيد قديستهم العذراء، وتقول كتب التاريخ إنها فتاة قروية كانت ترعى الغنم وأنها وُلدت عام 1412 وتولت قيادة جيش فرنسا وهى فى سن السابعة عشرة، وتمكنت من هزيمة الجيش الإنجليزى ورفعت الحصار عن مدينة «أدرليان»، ثم هزمت الإنجليز فى معركة «باتاى»..

وتدون كتب التاريخ أن الإنجليز تمكنوا من اعتقالها، وحكم عليها قضاة من الكنيسة بالموت حرقا فى ميدان السوق القديم بمدينة «دوان» عام 1431 وكان عمرها تسعة عشر عاما، و فى عام 1909 - أى بعد وفاتها بنحو خمسة قرون - قرر مجمع الكرادلة فى روما أن «جان دارك» قديسة، وهذا ما يقوله التاريخ، ومن هذه القصة نسج الخيال خيوط قصص كثيرة تدور حول بطولة «جان دارك» واستشهادها، وأخرجت السينما بعضها وقام بتمثيل دورها ممثلات شهيرات من نجوم هوليوود، لعل أشهرها القصة التى كتبها برنارد شو وأخرجتها هوليوود للسينما، وجسدت فيها أنجريد برجمان شخصية «جان دارك». 

وأخرجت دار «هانيمان» فى لندن كتابا للكاتب الفرنسى «أندريه جيران» والكاتب الإنجليزى «جاك بالمر هوايت» بعنوان «قصة الراعية» التى هى «جان دارك»، ويقول الكتاب إن كل ما قيل وكُتب ونُشر عن إحراقها كذب، لأنها لم تُحرق بل أنُقذت بناء على اتفاق بين الإنجليز والفرنسيين الذين خدعوا الجماهير المحتشدة فى ميدان السوق الجديد وأحرقوا أمامهم فتاة تشبه جان دارك! 

ويمضى المؤلفان - الفرنسى والإنجليزى - فى سرد الحقائق فيقولان: «بعد سنوات قليلة من حرقها المزعوم ظهرت «جان دارك» وتزوجت وأصبح اسمها «مدام دى أرمواز» إلى أن توفيت عام 1450 وهى فى الثامنة والثلاثين، أى بعد تسعة عشر عاما من إحراقها أو استشهادها المزعوم ! ولكن.. لماذا اتفق أصدقاؤها الفرنسيون وأعداؤها الإنجليز على إنقاذها من الموت حرقا ؟. 

يقول الكتاب: إن «جان دارك» لم تكن فتاة قروية من عامة الشعب، كانت ابنة غير شرعية لملكة فرنسا الوالدة «إيزابو» ومن هنا كانت أختا غير شقيقة لملك فرنسا شارل السابع، وفى نفس الوقت أختا لزوجة ملك إنجلترا هنرى الخامس، وخالة لملك إنجلترا هنرى السادس، لذلك لم يكن عجبا أن يتفق ملك فرنسا وملك انجلترا على إنقاذ قريبتهما «جان دارك» من الموت حرقا وأن يخدعا الجماهير فيقدما فتاة أخرى مكانها بزعم أنها الساحرة المجرمة جان دارك ! وبقيت هذه التهمة عالقة باسم جان دارك بعد حرقها المزعوم، وبعد أن توفيت مدام ده أرمواز- أى جان دارك الحقيقية - عام 1450 رأى الملك شارل السابع أن يبرئ سمعة أخته لأمه من تهمة السحر والشعوذة واستجابت الكنيسة لطلبه فأصدرت قرارا تضمن حيثيات الحكم الذى كانت قد أصدرته ضد «جان دارك»، وحكمت ببراءتها من كل التهم التى كانت قد أسُندت إليها. 

>>>

وأكذوبة ضخمة أخرى روجت لها صحف الولايات المتحدة بعد أن روجت له حكومة واشنطن، تزعم أن النازيين أبادوا بمختلف الوسائل ستة ملايين من يهود أوروبا، وعلى أساس هذه الأكذوبة سوف تحاكم إسرائيل الضابط الألمانى النازى أدولف إيخوان، وأمامى عدد جريدة «أوند» الفرنسية بتاريخ 23 نوفمبر 1946وبه إحصاء تفصيلى عن عدد اليهود فى العالم، جاء فيه أن عدد اليهود الذين كانوا يقيمون فى أوروبا عام 1930 قبل قيام هتلر والحكم النازى ستة ملايين وخمسة عشر ألفا وسبعمائة.. وعددهم عند نهاية الحرب فى مايو 1945 كان أربعة ملايين وربع المليون، والفرق بين الرقمين نحو مليونين، ويجب أن نطرح منه اليهود الذين تمكنوا من الهرب ومغادرة ألمانيا وبلدان أوروبا التى احتلها هتلر إلى أمريكا وأستراليا وآسيا وأقطار الشرق الأوسط .. وهذا الفرق هو عدد اليهود الذين أبادهم الحكم النازى أو عمل أدولف إيخوان على إبادتهم!

ولكن حكومة الولايات المتحدة استطاعت أثناء الحرب العالمية الأخيرة أن تشن حرب دعاية قوية ضد هتلر وأن تثير الرأى العام العالمى ضد فظائع الحكم النازى وكيف أن النازيين أبادوا ملايين من يهود أوروبا وأصبحت حرب الدعاية هذه جزءا من التاريخ! 

>>>

ذهبت ذات يوم عام 1925 أزور المغفور له عبد العزيز فهمى باشا فى داره بمصر الجديدة فقد كان صديقا للمرحوم والدى، وسألنى عن أحوالى وعن عملى، وكنت وقتها موظفا بسكرتارية مجلس النواب، وتدريج الحديث أتى عيد الجهاد؟ 

ولعيد الجهاد تاريخ ألخصه فى كلمات، وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها فى يوم 11 نوفمبر من عام 1918 وهو إعلان عقد الهدنة بين ألمانيا ودول الحلفاء، وبعد يومين أى فى 13 نوفمبر ذهب الزعماء المصريون الثلاثة سعد زغلول وعبد العزيز فهمى وعلى شعراوى إلى «دار الحماية» وقابلوا المعتمد البريطانى سير «ويجنالد وينجت» ليذكروا بريطانيا بوعودها المتكررة بالجلاء عن مصر وليطالبوا بالاستقلال، وعندما تولى الوفد الحكم فى عام 1924 قررت حكومة الوفد اعتبار يوم 13 نوفمبر من كل عام عيدا، أسمته عيد الجهاد! 

قال لى المرحوم عبد العزيز فهمى باشا وهو يطلق ضحكته العصبية التى كان معروفا بها: «جهاد إيه، وعيد جهاد إيه يا ابنى؟ إذا كان ده هو التاريخ فده يبقى تاريخ أكاذيب!، إحنا ما رحناش نطلب الجلاء أو الاستقلال! أبدا ما حصلشى!

اللى حصل إننا اتفقنا سعد باشا وأنا وعلى شعراوى أن نقابل «وينجت» ونطلب منه أن يطلب من حكومته تنظيم الحماية! فاهم يعنى إيه تنظيم الحماية؟ يعنى قابلين وراغبين بالحماية بس عاوزين نعرف حدودها فين، وإيه اللى لنا وإيه اللى للإنجليز؟ هى دى الحقيقة يا بنى؟ لا رحنا علشان نطالب بالاستقلال ولا حاجة من دى!

واسأل الوفدى على شعراوى»، ذهبنا لكى نتفق مع الإنجليز على تنظيم الحماية، ولم نطالب بالاستقلال ومع ذلك فإنهم يسمونه عيد الجهاد؟.

محمد التابعى « آخر ساعة» -22 مارس1961