كنوز | تعرف على «أمريكا يا ويكا» في مرآة الولد الشقي

محمود السعدنى - غلاف الكتاب
محمود السعدنى - غلاف الكتاب

يتمتع الساخرمحمود السعدنى بخفة الدم وسلاسة الأسلوب وجزالة الجملة ورشاقة الكلمة والثقافة الموسوعية التى اكتسبها من خبرات حياتية فى المنافى والاعتقالات والرحلات التى تنافس رحلات «ابن بطوطة»، وإذا كانت أمريكا أرض السعادة للحالمين بالمن والسلوى، فأمريكا لها وجه آخر يقدمه الساخر محمود السعدنى فى «أمريكا يا ويكا» الذى يقول فيه: 

من يُريد أن يفهم لغز أمريكا، عليه أن يعود قليلاً إلى الوراء، إلى اللحظة التى رست فيها أول سفينة على الشاطئ الأمريكى، قادمة من الشاطئ الآخر للأطلنطى، لحظتها كانت أمريكا مجرد كيان جغرافى، قارة مترامية الأطراف، مترامية السكون، هادئة وعذراء، غنية إلى أقصى حد، وممتلئة إلى حد الشبع، تسكنها قبائل شديدة الشبه بقبائل العرب فى الجاهلية، قبائل وكل قبيلة لها زعيم، وكل زعيم له شارة، وهم يتكلمون لغة واحدة ولهجات شتى، ولهم فنونهم وأدبهم، ويزاولون السحر ويمارسون الطب، ولهم عادات وتقاليد، ويُقدّسون الشجاعة ويتقبّلون الموت برحابة صدر، ويُحبّون الورد والزهور، ويعيشون فى أمان واطمئنان، وربما توهموا أنهم وحدهم على كوكب الأرض، وأنه لا شيء فيما وراء البحر.

هكذا كانت قارة أمريكا لحظة رست أول سفينة قادمة من الشاطئ الآخر تحمل على ظهرها عصبة من حثالة قارة أوروبا، مهاجرين بحثاً عن الرزق وهاربين من أحكام قضائية، ومجرمين خارجين على القانون، ومغامرين سئموا الحياة فى الأرض القديمة التى أجدبت، وجاءوا يضربون فى المجهول عن حياة أفضل ومستقبل مضمون!

ومع هؤلاء كان هناك عدد من المبشرين جاءوا يصرخون فى البرية: «أعدوا طريق الرب مهدوا سبله مستقيمة» !

وكان الجميع على ظهر السفينة مسلحين من الرأس حتى أخمص القدم، خناجر ومطاوى وبنادق ومسدسات ومدافع، حتى أصحاب القداسة كانوا مسلحين بالأناجيل والصلبان والمسدسات، ولم لا ؟!

لقد جاءوا فى مهمة فى سبيل الرب، وفى سبيل الرب سيفعلون أى شيء وكل شيء، وهم بالتأكيد فعلوا ذلك، لم يتوانوا ولم يتهاونوا، على المعابد البدائية للهنود الحمر أقاموا كنائسهم، وعلى أشلاء الملايين من سكان البلاد الأصليين شيدوا أديرتهم، واختلطت أنغام الأورغن وتراتيل صلاة عيد القداس بصياح الجرحى من الهنود الحمر وأنّات الذين حصدهم الرصاص بالألوف وداست عليهم حوافر الخيل بلا رحمة!!..

المهم أنه لحظة رست السفينة أول مرة على الشاطئ الأمريكى لم يكن على ظهرها من حضارة العالم القديم إلا المسدس والإنجيل، ومن هذه اللحظة وإلى الأبد سيلعب كل أداة منهما دوراً مهماً ومؤثراً فى حياة أمريكا! وسيكون المسدس فى المقدمة والإنجيل بعد ذلك، ولكن كل منهما سيكمل مهمة الآخر، وسيكون التعاون بينهما على أكمل وجه!

تلك كانت البداية، ولكن النهاية جاءت أفضل مما كان يرجو هؤلاء الرواد، تم ذبح الهنود الحمر عن بكرة أبيهم، حتى الذين ألقوا السلاح وعقدوا المعاهدات معهم، انقضوا عليهم بعد ذلك، فلم يكن هؤلاء المهاجرون البيض ينشدون السلام، ولكنهم كانوا يريدون الأرض! .

محمود السعدنى من كتاب « أمريكا يا ويكا»

إقرأ أيضاً|كنوز| حكاية محمود السعدني مع حفيده و«ماسبيرو» في رمضان ٢٠٠٠