أحداث فلسطين لم تكن مفاجئة.. نظرية «الغابة والشجرة» للسيطرة على الضفة

آثار الدمار فى چنين
آثار الدمار فى چنين

فى توقيت متقن، اشتعلت الأراضى الفلسطينية قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن المحددة اليوم إلى إسرائيل ورام الله. تطورت الأحداث على نحو متلاحق، يبدو كأنه تداعيات لبعضها البعض. حقيقة الأمر أنها لم تكن مفاجئة، فقد مهدت لها الصحافة الإسرائيلية منذ أسابيع، للضغط على الفلسطينيين للحول دون تقدمهم بشكاوى ضدها فى المحافل الدولية، وإضعاف السلطة الفلسطينية.

 انطلقت الشرارة من چنين بالضفة الغربية حين داهمت قوات الاحتلال المخيم بذريعة القبض على ثلاثة عناصر من تنظيم الجهاد الإسلامي.وإحباط عمليات كانوا يستعدون للقيام بها، فقتلوا عشرة أشخاص. وأصابوا عشرين. لترتد الشرارة فورًا إلى غزة، على هيئة قصف إسرائيلى لأهداف حمساوية، ردًا على صواريخ يقال إنها انطلقت من هناك إلى تل أبيب ولم تصب أحدًا.

وتعلن السلطات الفلسطينية وقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل. فيهرع رئيس المخابرات الأمريكية لإطفاء النار المشتعلة بالمنطقة ويلتقى برئيس الوزراء نتانياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ثم تلتهب القدس بحادث إطلاق فلسطينى الرصاص على سبعة إسرائيليين ويقتلهم بشكل عشوائي.ويلقى مصرعه، أثناء مطاردة شرطة الاحتلال له.

ومع أن التقدير السائد أنه عمل انتقامي، للمجزرة التى قامت بها قوات الاحتلال فى چنين، إلا أن الإدانات الدولية تتوالى لحادث القدس ومقتل المدنيين الإسرائيليين الأبرياء، وتتجاهل تمامًا ضحايا مجزرة چنين معظمهم على الأقل أبرياء ومنهم امرأة.


 صحيح أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، باربرا ليف، أصدرت بيانًا طلبت بموجبه الولايات المتحدة من إسرائيل توضيحات بشأن الغارة على مخيم اللاجئين فى چنين - وأضافت أنها قلقة من مقتل مدنيين غير متورطين فيها. لكنها أشارت إلى أن القرار الفلسطينى بوقف التنسيق مع إسرائيل «ليس القرار الصائب».  


مع ذلك ورغم الصعوبات التى تجابهها إسرائيل من أثر وقف التنسيق الأمنى مع الآليات الفلسطينية، بما يعنيه من احتمال تصاعد العمليات والاضطراب فى جميع أنحاء الضفة الغربية - خاصة فى منطقة الخليل ـ إلا أنها لا تبدو مبالية كثيرًا بالقرار الفلسطيني، لسببين: الأول أنها  تعتبره فى هذه المرحلة بالأساس خطوة إعلامية وليست عملية.

وخاصة وأنها ليست المرة الأولى التى يعلن فيها أبو مازن عن إلغاء التنسيق الأمني، كما لديها ثقة فى أنه لابد أن يعيده بعد فترة معينة، تحت تأثير ملك الأردن والأمريكيين والضغوط الدولية. السبب الثانى وهو الأهم، أنها تروج لحلفائها باطمئنان، لنظرية قادتها العسكريين فى التعامل مع الضفة الغربية وهى تمييز «الغابة عن الأشجار».

أى الحرص على عدم إصابة المدنيين. لكنهم فى الواقع يعملون على  نقل المعركة إلى أرض الفلسطينيين بدلاً من انتظارهم لإحضارها إلى منطقة نفوذ إسرائيلية إما فى الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر لتقليل عدد الإسرائيليين الذين يمكن أن يتعرضوا لخطر القتل، وعلى أمل أن يفقد المجتمع الفلسطينى الأوسع صبره مع المقاتلين ويطالبهم بالهدوء حتى يتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية.


ولكن الوضع فى مخيم چنين مختلف، إنه المخيم الذى قتلت فيه شهيدة الصحافة شيرين أبو عاقلة قبل نحو عام، المكتظ بالسكان، ذو الأزقة والشوارع الضيقة كالمتاهة؛ هو نفسه الذى يزعم الاحتلال أنه يمثل الملاذ الآمن لمقاتلى تنظيم الجهاد الإسلامى الفلسطيني، كمكان مثالى للاختباء وسط آلاف المدنيين. حتى الأسبوع الماضى لم تكن قوات الاحتلال تجرؤ على اقتحام المخيم وتكتفى بالتعامل من على أطرافه وفى جنح الظلام.

وهذه المرة، فى الأسبوع الماضي، وبناء على «المعلومة الذهبية»، اقتحمت المخيم قوات «يمام» وهى وحدة خاصة لـ»المستعربين» من الشرطة العسكرية الإسرائيلية، لاعتقال المطلوبين فى وضح النار.


نتائج عملية چنين تدحض صحة نظرية الغابة والأشجار،لأن إحضار القتال إلى الجانب الفلسطينى سيف ذو حدين. فربما يرغب فعلًا معارف الفلسطينيين القتلى العشرة فى تجنب مصير مشابه لا مفر منه.

ومع ذلك قد يؤدى هذا إلى توجيه أقاربهم وأصدقائهم إلى المقاومة، حتى لو كانوا فى السابق على الهامش، وبدلا من القلق من ثلاثة مقاتلين فلسطينيين يصبح من عشرين أو ثلاثين واحدًا يتصرفون بدافع الغضب الشخصى والرغبة فى الانتقام، ويكون مقدمة لحرب أوسع لا تحسب انتصارًا لإسرائيل.
 

اقرأ ايضاً | وزير الخارجية الروسي يدعو فلسطين وإسرائيل لعدم تصعيد الأوضاع