فى كل عام

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

هناك من يتصور أن مقومات البطولة أنها فعل لحظى يكسر حاجز المعتاد ،تبهر أعين المتابعين ،تدهش بتفاصيلها المروية أذان السامعين وبعد زمن وجيز يتلاشى الأبهار وتتوارى التفاصيل ،الحقيقة أن من يتصور هذا عن الفعل البطولى فهو يخلط بين البطولة والاستعراض .

مايفرق بين البطولة والاستعراض مواجهة التحديات هذه التحديات تكشف حقيقة الفعل والفاعل ،يذهب البطل الى التحديات يسبقها ويتغلب عليها على مدار ال24 ساعة أما الباحث عن بريق الاستعراض يتكلم فقط عن التحديات أو يدعى أنه سيواجهها ،البطل لا يتحدث بل يفعل لا يبحث عن الشهرة أو تصفيق المتابعين أنه يقدم حياته ودمائه والعمل اليومى الذى لايتوقف من أجل راحة وحماية أخرين قد لايرونه أو يعلمون عنه شيئا أو حتى سيتذكرون أسمه والبطل لن يطالب أحد بتحيته أو الشكر على ماقدمه كل ماسيفعله بعد أن يغير التاريخ ويرفع الأخطار عن أبناء أمته سيعود الى حياته العادية ويسير هادئا مطمئنا بين الملايين من المصريين وقد لايكون بيننا بجسده لأن ثمن ماقدمه لوطنه هو حياته ليرتقى شهيدا .
يأتى عيد الشرطة فى كل عام ليكن دائما علامة تنبيه ويعطينا نحن أبناء هذه الأمة فرصة ثمينة لترسيخ الثوابت حول من يصنعون مجد هذا الوطن ويصنون حريته وكرامته غير منتظرين تحية أو شكر على ماقدموه ،فى الاسماعيلية قبل 71 عام لم يتوقف كثيرا ضباط وجنود الشرطة حول الأسئلة والحسابات أو يترددوا أمام الأختيار بين كرامة الوطن وأرواحهم ودمائهم وحياتهم ،أختاروا الوطن وكرامته ،فى مدينة أخرى من مدن القناة ،مدينة السويس وبعد عشرين عاما على ملحمة الأسماعيلية ،يأتى يوم 24 أكتوبر 73 لتستدعى الأمة المصرية كافة أبطالها من القوات المسلحة ورجال الشرطة والمقاومة الشعبية لينصهر الجميع فى روح واحدة روح أمة أقسمت على النصر أو الشهادة ويواجهون العدو الغادر المتغطرس الذى يطالب هؤلاء الأبطال بالتسليم ،لم يواجه الأبطال طلب العدو ألا بالسخرية من غبائه ،ظن العدو أن المعركة سهلة وأن دباباته وقصف طائراته المستمر للمدينة الباسلة سيحسم الأمر لصالحه خلال ساعات فى مواجهة الأسلحة البسيطة والقليلة التى يحملها رجال السويس ولكن العدو الأبله لم يدرك السلاح الفارق الذى لايراه فى أيدى الرجال أنه الأيمان بصلابة هذه الأمة وأنقلبت الساعات على العدو المتكبر ،أنطلق ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة والمقاومة الشعبية يطاردون العدو ودباباته فى شوارع وحارات السويس وحتى يعطى التاريخ درس لكل من يحاول الاستهانة بصلابة هذه الأمة فرالعدو مذعورا ليختبئ داخل قسم شرطة الأربعين طالبا الاستسلام ،ليحقق هؤلاءالرجال المؤمنون بقضيتهم العادلة النصر على العدو المتغطرس ،وكما الأسماعيلية كانت السويس أرتقى من على أرض المدينتين شهداء من رجال الشرطة .
فى مواجهة التحديات التى فرضها على الوطن عدو خارجى كان الرجال فى أعلى درجات الاستعداد والتضحية لكن يأس عدو الخارج من صلابة الأبطال وشدتهم جعلته يلتف حول المواجهة المباشرة ويلجأ للخديعة والعملاء ظنا منه أن الإرهاب وخسة الإرهابيين سيحققون له نصر زائف أو أن ماعجزت عنه الأمبراطورية البريطانية فى الإسماعيلية وفشل فيه الاستعمار فى صورته الجديدة القبيحة بالسويس سيحققه مرتزقة الفاشية الأخوانية بإرهابهم .
لم تكن مواجهة الإرهاب ومرتزقته معركة تقاس زمنيا بالساعات أو سلاحها الوحيد طلقات الرصاص فهى قبل كل شيئ يلزمها المعلومات ويحكمها العقل والمعرفة لأن العدو هذه المرة على درجة عالية من الخسة ولا يملك شرف المواجهة المباشرة وهنا كان رجال الشرطة كما فى الاسماعيلية والسويس على أهبة الاستعداد خاضوا معركتهم بلا تردد وبنفس الروح الشجاعة والإيمان الصلب بعدالة قضية الأمة المصرية أنطلق الرجال يقتلعون جذور الإرهاب الشيطانية من هذه الأرض الطيبة وينهون وجود الفاشية المدعومة من الاستعمار العدو القديم الجديد.
تصدت صدور الرجال الأبطال من الشرطة بعد ثورة ال30 من يونيو المجيدة للهجمة الإرهابية الأشرس فى تاريخ مصر ،لم تكن معركة بين أجهزة أمنية وشرطية من جهة وشراذم من الإرهابيين من جهة أخرى ، بل كانت حرب بين الأمة المصرية وبين الفاشية الأخوانية المدعومة والموجهة من قوى الاستعمار ،كان حقد الاستعمار شديد تجاه هذه الأمة العظيمة متذكرا ساعات وأيام ذله فى الأسماعيلية والسويس ،أراد الاستعمار أن يخضع الأمة بالإرهاب ويرجعها عن قرارها بطرد الفاشية الإخوانية لكن أبناء وأحفاد الرجال الذين قاتلوا وأنتصروا فى كافة حروب هذه الأمة كانوا لهم بالمرصاد ،ظن الأصدقاء قبل الأعداء أن الإرهاب عدو شرس دخوله الى بلد ما يعنى الفوضى والدماء والدمار ،لكن لم يعلم الجميع معدن وعزم رجال الشرطة المصرية الذين استطاعوا بالروح والدم وقدرة العقل مواجهة خسة الإرهاب ثم السيطرة على شروره وبعدها دحره لتعرف الأمة المصرية الأمن من بعد خوف.
قد يظن البعض أن بطولة رجال الشرطة يلزمها حدث جلل أو معركة تاريخية فارقة لتكشف عن حقيقتها الناصعة ،لكن فى كل يوم آمن يمر على هذا الوطن يتجسد وجه أخر من بطولة هؤلاء الرجال ،أنه عمل بطولى جبار ينسجه عمل وجهد لا يتوقف فى مواجهة التحديات التى تفرض عليهم ،لم تكن جائحة الوباء أمرا متوقعا أو هى فى حسابات أى جهاز شرطى فأخر وباء تعرضت له البشرية قبل وباء كورونا مر عليه مايزيد عن مائة عام فأين هى الخبرات التى يمتلكها رجال الشرطة فى مواجهة هذه الجائحة وفى بلد تعداد سكانه يفوق ال مليون نسمة ؟ أنه نفس العزم والقدرة العقلية على التنظيم والتدريب الذى لايتوقف جعل الرجال الأبطال يضعون خططهم ويديرون معركتهم ضد الوباء فلم يشعرأى مصرى بلحظة خوف رغم الأجواء القلقة وحظر تجوال قد يؤدى الى أرتفاع معدلات الجريمة وكان المدهش أن دول كان يراها الجميع فى مصاف الدول المتقدمة استسلمت للفوضى فى أثناء الوباء والحمد لله بقيت مصر آمنة بعزم وجهد هؤلاء الرجال .
هل يجب أن تفرض التحديات حتى تظهر معادن الرجال وقدراتهم ؟ الأبطال الحقيقين هم من يسبقون التحديات ولا ينتظروا حدوثها أنها القدرة والبطولة على الأدراك وبخبرات هذا الجهاز الشرطى العريق أدرك عمق التحولات التى يمر بها المجتمع المصرى فعمل على الفور فى صياغة فلسفة أمنية متجددة يمتد فيها البعد الحضارى والأنسانى قبل العقابى فأصبح جهاز الشرطة المصرى يقدم ويساهم فى منجز وحزمة العدالة الأجتماعية الى تتولها الدولة المصرية لخدمة الشرائح الأجتماعية التى تحتاجها وهو ماظهر جليا فى مواجهة الغلاء بسبب تداعيات الأزمة الروسية الإوكرانية فلم تكن المبادرات الأجتماعية التى قدمتها وتقدمها وزارة الداخلية من أجل محاصرة الغلاء وخدمة بسطاء هذا الوطن وليدة الأزمة الحالية بل هى سبقتها وأسست لها قبل أعوام وعندما واجهنا هذه الأزمة العالمية كانت مبادرات وزارة الداخلية تعمل بكامل طاقتها لخدمة المجتمع وحمايته من الجشع والغلاء هذا غير دورها الرقابى فى ضبط الأسواق .
بنفس هذا الأدراك تغيرت فلسفة العقاب من خلال مراكز الأصلاح والتأهيل التى تحول مفهوم حقوق الأنسان الى واقع ملموس وبشكل عملى ،وهناك أدراك أخر برع فيه الجهاز الشرطى وكان الأسبق فى التعامل معه ومتعلق بالثورة المعلوماتية ووسائط السوشيال ميديا فبدلا من أن تكون هذه المعلوماتية والوسائط أداة ضغط على العمل الشرطى أستطاعت منظومة العمل الشرطى تحويلها الى وسيلة لخدمة المواطن وتحقيق المزيد من عوامل الأمن وذلك عن طريق سرعة الاستجابة لما ينشر على هذه الوسائط والتحقق منها والتعامل معها .
عنما تأتى هذه الذكرى العطرة فى كل عام وتمر علينا الساعات الآمنة والأيام المطمأنة البعيدة عن الخوف فهى فرصة لنا فى أن نوجه التحية الى أبطال الشرطة الذين أرتقوا شهداء من أجل وطن يبقى عزيزا وزملاء لهم ينسجون فى كل لحظة بطولة من نوع خاص أنها بطولة العمل الدؤوب فى حفظ أمن كل بيت ومواطن على أرض مصر.