حبر على ورق

الكتاب أمن قومى

نوال مصطفى
نوال مصطفى

تشرفت بمشاركتى فى فعاليات مؤتمر الاتحاد الدولى للناشرين والذى ترأسه الشيخة بدور بنت سلطان القاسمى، الذى عقد قبيل انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب، ثم أعقبه مؤتمر الناشرين العرب برئاسة محمد رشاد. نبهتنى جلسات وفعاليات المؤتمرين أننا فى حاجة ماسة إلى دراسة معمقة لواقع الثقافة العربية وعلى رأسها الكتاب، الذى هو عماد الثقافة، بكل تفاصيله باعتباره صناعة كبيرة تضخ فيها أموال ضخمة فى العالم كله. إلا أن واقع الكتاب العربى للأسف يبعث على الحزن الشديد لما وصلنا إليه، وإليكم بعض الأرقام.

ففى المداخلة المعلوماتية المهمة أخبرنا صلاح شيبارو رئيس مجلس إدارة موقع النيل والفرات، عن واقع القراءة فى المجتمع العربى مقارنة بالمجتمع الدولى وعلى الأخص المجتمع الأمريكى. قال إنه على الرغم من أن عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية ٣٣٠ مليون نسمة، وعدد السكان فى العالم العربى ٤٣٠ مليونا يشكلون حوالى ٥٪ من مجموع سكان العالم. إلا أن الأرقام توضح الفجوة الهائلة بيننا وبينهم فيما يتعلق بالقراءة وصناعة النشر. كما أن عدد الكتب الإنجليزية المنشورة فى الولايات المتحدة الأمريكية سنويًا هو مليون كتاب وإذا أضفنا النشر الخاص  الذى يقوم به المؤلف self-publishing لنفسه يصبح العدد ٥ ملايين كتاب، أما مجموع الكتب المنشورة فى العالم العربى ككل لا يتعدى مليون كتاب. كما أن عدد الكتب الصوتية المنشورة فى أمريكا خلال ٢٠٢١ هو 75 ألف كتاب صوتى وقد كان 60 ألفا من سنتين فقط. فى العالم العربى بدوله جميعا لا يتعدى 7 آلاف كتاب صوتى.

أما عن نسبة القراء الذين اشتروا كتبا إليكترونية مقارنة أقل كثيرًا مع الذين اشتروا كتبا مطبوعة فى دول العالم، وعدد الكتب الإليكترونية على kindle هو 9 ملايين كتاب، مقارنة بعدد الكتب الإليكترونية فى العالم العربى الذى لا يتعدى 60 ألف كتاب إليكترونى. قراء الكتب الإليكترونية تتراوح أعمارهم بين 18- 34 سنة. وحجم  سوق الكتب فى الولايات المتحدة حوالى 7 مليارات دولار للكتب المطبوعة، بينما يبلغ 150 مليون دولار فى دول العالم العربى مجتمعة.
أما بالنسبة للكتب الإليكترونية فيتداول 1٫1 مليار فى السوق الأمريكية، بينما لا يتعدى 1٫5 مليون دولار فى العالم العربى. وفى الكتب الصوتية تنفق أمريكا 766 مليون دولار، بينما ينفق العالم العربى 300 ألف دولارسنوياً.

الهوة عظيمة والأرقام لا تكذب بل توصف حال الثقافة العربية، والتى تحتاج من الجميع وضع الحلول والأفكار التى تدفع بقوتنا الناعمة إلى الصدارة مرة أخرى، تبرير ابتعاد القراء عن الكتب خاصة الشباب منهم إلى توحش السوشيال ميديا ليس حقيقيا، أليس البشر هنا هم نفس البشر هناك؟، أليست السوشيال ميديا لديهم مثلما لدينا. أنا اعتبر أن معدلات نشر الكتب والقراءة فى الوطن العربى والتى هى فى تدهور سنة بعد سنة، ناقوس خطر للمستقبل، فالأمم التى لا تقرأ لا مستقبل لها. وفى مثل تلك القضايا العالقة والتى اعتبرها مسألة أمن قومى، وهى دور الدولة فى الوقوف بجانب الثقافة المصرية وأرى أن دورها ضرورى بل وحتمى، فالكتاب ليس رفاهية بل هو حامٍ للهوية وميزان حساس للقضايا الوطنية.

هناك مشهد أتمنى أن أراه يوماً ما بين شبابنا؛ دوما ما أجده فى الشوارع والمواصلات العامة فى أوروبا وأمريكا وهو أن الجميع يقضى وقته فى قراءة كتاب، أو صحيفة أو مجلة. أتمنى أن يأتى هذا اليوم.