عبد الهادي عباس يكتب: ليست مجرد كرة قدم

عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس

إنها في النهاية مجرد كرة قدم وليست شيئًا كبيرًا؛ هكذا قال صديقي وهو يُناوشني، متابعًا أن العرب يُبالغون في كل شيء: في أفراحهم وفي أتراحهم، لا يعرفون العقل ولا التعقل ولهذا سريعًا ما يخسرون!

ولأنني لم أوافقه الرأي، فقد فلسفت له أن رأيه هذا لا يستقيم أمام الواقع الذي يقول إننا نتقدم وننتصر بالفعل، صحيح أن لدينا خيباتنا ومساوئنا، ولكن حتى الدول المتقدمة لديها انتكاساتها الأخلاقية والعلمية، وليس انتشار الفيروسات والحروب العالمية إنتاجًا عربيا، وإنما هو صراع غربي للسيطرة على العالم وإن تكلف ذلك إزهاق عدة ملايين من الأرواح البريئة.  

تضمحّل الخلافات وتتلاشى عند النوازل الشديدة والأهداف الكبيرة؛ وفي تنظيم كأس العالم لأول مرة في دولة عربية كان الهدف كبيرًا وكانت الحرب على العروبة وقيمها وتراثها ملتهبًا شديد الأوار، ولذلك فإنني لا أرى هذه المنافسة مجرد لعبة يفوز فيها الأفضل ويرتكس الأسوأ، بل أراها أملًا جديدًا ومصائر تتحقق قبل أي شيء آخر، وحربًا بين فرض دائرة من الفوضى الأخلاقية الجهنمية على الأمة العربية والعالم أجمع باسم الحداثة والعولمة، رغم أن بعض الدول الأوربية نفسها بدأت تنفر من إسارها، بل وهناك موجات من الرفض داخل الولايات المتحدة لهذه الموبقات الماحقة لآدمية الإنسان، ولكنها لا تزال أصواتًا خافتة باهتة لا تملك السيطرة على زمام الانفلات الإعلامي الرسمي.

يتعجب ابني ذو السنوات التسع من انفعالي الزائد في مباراة السعودية والأرجنتين، ويُخبرني أن المنتخب المصري لا يلعب فلماذا أنت غاضبٌ هكذا! ليبدأ بعدها النقاش حول معنى العروبة، والاسم الرسمي لمصر: "جمهورية مصر العربية"، ثم نغني معًا: "وطني حبيبي الوطن الأكبر" و"بلاد العُرب أوطاني وكل العُرب إخواني"، وننفعل عند كل مباراة عربية: قطر والسعودية وتونس والمغرب؛ نقفز فرحًا عند كل هدف عربي في مرمى الخَصم، ونضرب رأسينا في أكفنا عند كل هدفٍ فينا، نغضب ونعترض ونسخط عند تقصير اللاعبين، ونبتهج ونرقص عند إجادتهم اللعب وتسجيلهم الأهداف؛ ندعو الله عند ركلات الترجيح وتتعلق قلوبنا بتلك الشباك الساحرة عند كل اهتزازة جديدة.    
هكذا نحن، وهكذا كل بيت عربي، يهتم بالكرة أو لا يهتم بها، المهم أن تفوز الدول العربية ولو في مباراة لكرة القدم، فقد سئمنا من الهزائم المكرورة في حياتنا كلها وآن الأوان أن يكون لنا رأي وأن تكون لنا كينونة عالمية، وهذا لن يحدث ما لم نهتم بتوعية الأجيال الجديدة بمعنى الوطن القومي الأكبر وتاريخه المجيد؛ ولهذا فقد أحسنت الدولة القطرية التنظيم والاستضافة العالمية رغم المبالغ الطائلة المدفوعة لذلك، لكنها بدأت أمرًا جديدًا وعلينا البناء عليه، كما أحسنت برفض الانصياع لشراذم الأفكار الفيروسية الغربية الآثمة، ولهذا كان دعم الجمهور العربي شاملا وكاملا ومساندًا للشعب القطري؛ والمتابع لرد فعل الجمهور العربي عند كل مباراة للمنتخبات العربية المشاركة في هذه الكأس العالمية يُدرك أن جذوة العروبة لا تزال مشتعلة لم تخمد بعد، وأنها تحتاج فقط إلى مَن يُذكي أوارها وينفخ فيها مِن روحه لتشتعل كرَّة أخرى.

مكانة القومية العربية مكينة في نفوس العرب، ولكنها تحتاج إلى مشروعات كبرى تجمعهم، وإلى دور أكبر لجامعة الدول العربية في التقريب بين وجهات النظر بحيث تعلو مصلحة العرب على أي مصلحة فردية لأي دولة، وكذلك تعميق الانتماء للسان العربي، فالعربية لسان ومن تكلم بالعربية فهو عربي، وخلال أيام تأتي بوارق اليوم العالمي للغة العربية، ونرجو أن يكون احتفالنا مضاعفًا بفوز المنتخب المغربي بكأس العالم ليكون أول منتخب عربي يحصل عليها، في تنظيم عربي، وفي اليوم العالمي للغة العربية.. الآمال والطموحات كبيرة والشعوب العربية قادرة على تحقيق ما تصبو إليه، فقط إن تمسّكت بقيمها وأفادت من التقدم الغربي بالقدر الذي يخدم مصالحها ويُعيدها إلى طريق الأمجاد.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي