بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.. القارة العجوز تواجه الجوع والإنهيار الأمني

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتبت: مي السيد

تعيش القارة الأوروبية خلال الفترة الحالية حالة من الشلل التام ضربت المصالح الحكومية والمطارات والمدارس والموانئ ووسائل النقل والمواصلات، بجانب المستشفيات، وذلك على خلفية الأزمات التى تعيشها أوروبا، كان من أهمها الطاقة والغذاء، لم تشهدها منذ أكثر من نصف قرن، بعد ارتفاع أسعار الطاقة كالبترول والغاز والكهرباء وزيادة الضرائب وتراجع القدرة الشرائية للمواطن الأوروبى، وهو ما تسبب فى أزمة غلاء المعيشة.

تلك الأزمات دفعت الملايين لعمل إضرابات مستمرة بهدف الضغط على الحكومات، بسبب تدنى الأجور ومطالب مستمرة من المحتجين والمعتصمين بزيادتها، وسط تعنت من الحكومات، والتى أصبحت تواجه حالة من الإنهيار الأمنى بسبب الأضطرابات والاعتصامات.

بسبب الحرب الروسية الأوكرانية تواجه بريطانيا أزمة اقتصادية طاحنة، وكشفت آخر تقارير صادرة من الهيئات الاقتصادية العالمية أن دخل كافة العائلات سيتراجع بنسبة 7% وهو ما دفع الآلاف لعمل احتجاجات مستمرة، والبداية كانت من داخل مطار هيثرو لندن الشهير، حيث دخل عمال تسليم الأمتعة فى إضراب مفتوح بدأ بثلاثة أيام متتالية بداية من السبت الماضى، وهو ما تسبب فى حدوث شلل وتأخير كبير فى مغادرة الرحلات من المطار بكافة صالاته، خصوصا إلى كندا وأمريكا والنمسا والبرتغال ومصر وفنلندا.

بالمثل تسبب الإضراب الذى استمر لمدة 8 أيام، فى ميناء فيليكستو شرق إنجلترا، والذى يعتبر أكبر موانئ الشحن ببريطانيا إلى خلل فى سلاسل الإمداد بالبلاد، وخرج حوالى 1900 عضو من نقابة اتحاد العمال فى الميناء فيليكستو فى مدينة سوفولك من أعمالهم، حيث يعمل حوالى 2550 شخصا فى الميناء، وتأثر غالبية البريطانيين بسبب الإضراب، كون الميناء يتعامل مع حوالى 48 فى المئة من تجارة الحاويات فى بريطانيا، وشارك فى الإضراب عمال الميناء من سائقى الرافعات ومشغلى الآلات وعمال الشحن والتفريغ الذين يقومون بتحميل وتفريغ السفن.

اقرأ أيضًا | الاتحاد الأوروبي يُدين إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ باليستي عابر للقارات

ووصفت وسائل الإعلام هذا الإضراب بأنه الأول من نوعه منذ عام 1989 فى الميناء، الذى تمر عبره نحو 4 ملايين حاوية سنويا، وحاولت إدارة الميناء تدارك الأزمة وأعلنت زيادة الأجور بنسبة 7%، إلا أن النقابة رفضت ذلك وتمسكت بزيادة قدرها 10 % على كافة المرتبات فى كل القطاعات.

كما مدد عمال البريد إضرابات خططوا لها حتى عام 2023، والتى يمكن أن تؤثر فى توزيع البريد والطرود خلال موسم العطلات، حيث يشارك فى الإضرابات عمال مكتب بريد شركة الخدمات اللوجستية العامة «بوست أوفيس» التى توفر خدمات حكومية ومالية، وقالت نقابتهم إن الإضراب هدفه الاحتجاج على انخفاض الأجور بسبب التضخم.

وعلى خطاهم أعلن عمال شركة البريد الملكى «رويال مايل» التى تتولى توزيع البريد والطرود، بعد قيامها بتسريح آلاف من العاملين فيها، تمديد إضراب مستمر منذ شهور وقد يؤدى إلى تعطيل التسوق عبر الإنترنت وإرسال هدايا عيد الميلاد، ولم تتوقف الإضرابات على الأماكن الحكومية بل امتد إلى سلسلة المتاجر الشهيرة «هارودز» فى لندن، حيث أعلن حراس الأمن عن تنظيم إضرابات مستمرة لحين تعديل الأجور الخاصة بهم.

وفى ضربة للقطاع الصحى أعلنت الكلية الملكية للتمريض أن عشرات الآلاف من الممرضين البريطانيين ‏‏سيضربون عن العمل ‏‏للمرة الأولى بسبب مطالب بتحسين الأجور، مما يزيد الضغط على رئيس الوزراء البريطانى الجديد ريشى سوناك خلال الأزمة الاقتصادية، وأضافت الكلية فى بيان لها؛ أن الممرضين أغلبهم ممن يعملون فى هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية التى تديرها الدولة فى جميع أنحاء بريطانيا، صوتوا لصالح الإضراب فى إجراء يهدد بتعطيل كبير للنظام الصحى المتوتر بالفعل.

وانضم موظفو القطاعات الحكومية إلى المضربين بتصويتهم لصالح سلسلة من الإضرابات، ويعتبر هؤلاء الذين يطلق عليهم الموظفون المدنيون (Civil Servants، هم أغلبية من يديرون كل المؤسسات الحكومية والقطاعات الوزارية، ويبلغ عددهم 150 ألف موظف، منهم 100 ألف وافقوا على خوض الإضراب، مما يعنى أن ثلثى الطاقة العاملة فى المصالح الحكومية ستتوقف بشكل كامل.

فى ذات الوقت صوت المعلمون بالإجماع على الإضراب، كما أعلن أساتذة التعليم العالى فى بريطانيا إضرابا لمدة 3 أيام، ويشارك فى الإضراب 70 ألفا من موظفى الجامعات، مما يجعله أكبر إضراب فى تاريخ الجامعات البريطانية، وسيؤثر على 2.5 مليون طالب فى بريطانيا.

كما قرر سائقو القطارات فى بريطانيا مواصلة خوضهم عددا من الإضرابات التى أثرت على حياة الملايين من البريطانيين، إذ يعارض عمال القطارات خطة لتسريح 2500 عامل خلال العامين المقبلين، من أجل توفير 2.5 مليار دولار، وصوت موظفو الخدمة المدنية من وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية والجمارك والحدود لصالح الإضراب فى نهاية العام بعد فشل مفاوضات مع الحكومة للحصول على زيادات فى الأجور بما يتماشى مع التضخم.

وأكد الخبراء أن خلو المحال التجارية من السلع تصدر كل الأخبار ووسائل التواصل، لافتين أن الحكومة البريطانية بدأت فى التقشف وزيادة الضرائب، ومحاولة وضع موازنة جديدة، وجهزت أماكن ليستخدمها المواطنون المحتاجون مع بداية الشتاء لتوفير الغذاء، مضيفين أن فكرة وجود طوابير طويلة للحصول على السلع مشهد جديد على السكان بعد ارتفاع الأسعار والطاقة.

مدارس اسكتلندا
فى اسكتلندا أغلقت جميع المدارس أبوابها أمام التلاميذ عقب مشاركة المعلمين فى أول إضراب لزيادة الأجور لهم منذ ما يقرب من 40 عاما، وقالت وسائل الإعلام إنه تم افتتاح عدد قليل من المدارس الابتدائية فى مدينتى أوركنى وشتلاند كالمعتاد بينما ظل باقى الأطفال فى منازلهم حيث شارك الآلاف من أعضاء المعهد التعليمى فى اسكتلندا فى إضراب ليوم واحد.

ومن المتوقع أن يستمر الإضراب فى اسكتلندا مع تخطيط المعهد التعليمى فى البلاد لمزيد من الإضراب خلال 2023 بينما تخطط جمعية المعلمين الثانوية الأسكتلندية للإضراب فى 7 و 8 ديسمبر المقبل مما يؤدى إلى إغلاق بعض المدارس وتعطيل الجداول الزمنية فى أخرى.

وقال الأمين العام فى اسكتلندا، أندريا برادلى، إنهم لم يرغبوا فى الإضراب ولكن بعد مشاركة بشكل بناء فى المحادثات لعدة أشهر اضطروا لهذا الإضراب بسبب تقاعس الحكومة الأسكتلندية التى رفضت إجراء أى تحسين على عرض الدفع الذى رفضه المعلمون تماما قبل ثلاثة أشهر.

النقل العام فى فرنسا
عاشت العاصمة الفرنسية باريس حالة شلل فى النقل العام بسبب إضراب عام لعمال المترو وقطارات الضواحى، دعت إليه نقابات الهيئة المستقلة ذاتيا للمواصلات الباريسية من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، وشهدت عدة مدن على رأسها باريس مظاهرات احتجاجية وشللا فى حركة النقل العام جراء إضراب دعت إليه نقابات الهيئة المستقلة ذاتيا للمواصلات الباريسية.
وتأتى تلك الإضرابات بعد أن دعت كل النقابات فى «الهيئة المستقلة للنقل فى باريس» منذ فترة طويلة إلى هذه التعبئة للمطالبة بزيادة فى الأجور وتحسين شروط العمل، رغم حصول العمال على زيادة فى الأجور تبلغ معدل 5,2 بالمئة فى 2022، أما السبب الآخر للتعبئة فيكمن فى الخطة المقبلة لإصلاح نظام التقاعد التى قد تؤدى إلى رفع السن القانونى له وإنهاء الأنظمة الخاصة.

مطارات بلجيكا
تسبب إضراب عمال الأمن فى ثانى أكبر مطار ببلجيكا المسمى شارلروا، فى إحداث فوضى داخل المطار بعد أن امتنعوا عن العمل، ومنعوا الركاب من الوصول إلى طائراتهم، وهو ما دفع المسئولين فى المطار لتعليق عمليات المغادرة، حيث يخدم مطار شارلروا أكثر من 190 وجهة معظمها فى حوض البحر الأبيض المتوسط، ويستخدمه ثمانية ملايين مسافر سنويا، وكان من المقرر أن يستقل حوالى 7000 راكب طائرات مغادرة ولم يتمكن 2200 منهم من الوصول إليها.

شلل تام فى اليونان
لنفس الأسباب تقريبا توقف العمال اليونانيون عن العمل فى احتجاج على مستوى البلاد على خفض الأجور وزيادة الضرائب فبقيت المراكب والعبارات فى مراسيها بالموانئ وأغلقت المدارس الحكومية وعملت المستشفيات بطواقم الطوارئ فقط، وأوقف أكبر اتحادين للعمال فى اليونان الحركة احتجاجا على التخفيضات التى يقولون أنها تعمق معاناة المواطنين الذين يواجهون صعوبات شديدة وسط أسوأ موجة تراجع اقتصادى فى وقت السلم.

وقال اتحاد العاملين فى القطاع الخاص الذى ينظم الإضراب مع اتحاد العاملين فى القطاع العام؛ إن الإضراب رد على السياسات العقيمة التى شكلت ضغوطًا على حياة العاملين وأفقرت المجتمع وأدخلت الاقتصاد فى ركود وأزمة، مؤكدين أن كفاحهم سيستمر مادامت السياسات موجودة.