أسامة عجاج يكتب: الجزائر آخرها.. علامات في طريق القمم العربية

أسامة عجاج
أسامة عجاج

وراء كل قمة عربية من الـ٤٥، أسرار ومعلومات، بعضها معروف ومنشور، والآخر مازال طى الكتمان، بداخل وثائق موصوفة (سرى جدا) وهذه محاولة للاقتراب من كواليسها

أعادتنى القمة العربية الأخيرة فى الجزائر، إلى ذكريات العديد منها، والتى شرفت بتغطيتها صحفيا، أو تابعتها عن قرب، منذ قمة الوفاق والتضامن، التى استضافتها الأردن عام ١٩٨٧، فالقمم العربية مناسبات للتعامل على مستوى القيادات العربية، مع منطقة تواجه تحديات غير مسبوقة، وتهديدات لا تنقطع، ومخاطر متنوعة، بصفة دائمة، منذ انشاء الجامعة العربية.

اللاءات الثلاثة
كانت قمة الخرطوم فى نهاية أغسطس ١٩٦٧ استثنائية بكل المقاييس، فقد جاءت فى ظل حالة من الحزن سادت العالم العربي، فى أعقاب نكسة يونيو ١٩٦٧ ونجاح إسرائيل فى احتلال أراضى من مصر وسوريا ولبنان وكل الأراضى فلسطين التاريخية،  وتم الإعلان عن عقد القمة الرابعة، فكانت المفاجأة المدهشة، ذلك الاستقبال الأسطورى لجمال عبدالناصر الزعيم المهزوم، من حشود الشعب السوداني، فى مشهد غير مسبوق، ناهيك عن الصلح الذى أنهى خلافا تفاقم خلال سنوات بين مصر والسعودية وظهر المعدن العربى الأصيل فى رفض الهزيمة، ومن الخرطوم، أعلن القادة العرب وبالإجماع دون تحفظ وبشكل لا مواربة فيه اللاءات الثلاثة، (لا) صلح (لا) تفاوض (ولا) اعتراف بإسرائيل، وقرارات آخرها عديدة، منها التزام الدول العربية بتقديم مبالغ مالية سنويا، لكل من مصر والأردن حتى إزالة العدوان، ٥٥ مليون جنيه إسترلينى من السعودية، ومثلهم من الكويت، و٣٠ من ليبيا، وهناك الكثير مما يحكى حول الموقف العظيم للملك فيصل ملك السعودية بهذا الخصوص، سمعته من السفير هشام ناظر، وكان وكيلا لوزارة المالية فى ذلك الوقت، وجاءت بالتفصيل فى مذاكراته بعنوان (سيرة لم تروَ)، عندما سأله الملك كم من الأموال يمكن توفيرها كمساعدات للدول العربية، فاقترح هشام ناظر خمسة ملايين دولار، وكانت المفاجأة، عندما اعلن الملك فى الجلسة، عن ٥٥ مليون جنيه إسترليني، وفى طريق العودة قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز للملك (هشام زعلان .. من أين سيأتون بهذا المبالغ)، قال الملك (من وقف بعض المشاريع غير العاجلة، وهذه مهمتهم –يقصد وزارة البترول- وعليهم أن يتصرفوا).

قمة الانقسام
قد تكون واحدة من أهم القمم، التى كنت شاهدا عليها، والتى جرت وقائعها بشكل عاجل فى القاهرة أغسطس ١٩٩٠، حيث تعاملت مع لحظة هى الأهم فى التاريخ العربى ،حدث استثنائى مثل زلزال كبير مازلنا نعيش فى توابعه، حيث دعا الرئيس مبارك إلى عقد قمة عاجلة، للتعامل مع أزمة بدأت قبل أسابيع ولكنها تفاقمت فى يوليو من نفس العام، كان الرئيس مبارك حريصا على عقد القمة خلال أربعة وعشرين ساعة، وحسب كل المذاكرات والكتابات التى نشرت لمن عاصروا تلك الفترة، فقد شهدت تلك القمة انقساما غير مسبوق، وسط اجتماعات عاصفة، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل ماجرى فى كتابى (فى مرمى النيران) (وقصة الأمس) للسفير نبيل نجم سفير العراق فى القاهرة، ومندوبها الدائم فى الجامعة العربية، حيث رصد تباين المواقف، ما بين مطالبة العراق بالانسحاب فورا، وعودة الحكومة الكويتية الشرعية، ووجهة نظر أخرى تتحدث عن انسحاب القوات الأجنبية، التى بدأت طلائعها فى الوصول إلى الأراضى السعودية، وأنقذ مبارك القمة، كما يذكر عمرو موسى فى مذاكراته، ويقول لقد تدخل مبارك بمنتهى الحزم باعتباره رئيس الجلسة، وقال (لدينا مشروع قرار وزعناه فى الصباح وسوف اطرحه للتصويت، وارتفعت اصواته تطالبه بالتأجيل، لان المناقشات لم تستوفِ حقها، والموضوع خطير، والظروف اشد خطورة، فرد مبارك معلقا، (لا أسمع مناقشات جادة، ولكنها مهاترات) وأصر على التصويت، وطلب من المؤيدين رفع أصابعهم، ووصل العدد إلى ١٢ مواقفة بما فيهم مصر، وأعلن بذلك موافقة الأغلبية عليه، وخرج كل من عمرو موسي، ومعه الدكتور مفيد شهاب للإعلام العربى والدولي، لتوضيح كل الحقائق، الأول فى الشق السياسي، والثانى فى البعد القانونى وفى ظنى أن القمة كانت |إيذانا بظهور عمرو موسى كنجم جديد فى سماء الدبلوماسية المصرية، حيث تولى قمة الدبلوماسية المصرية وزيرا بعدها بأشهر قليلة.

دراما السلام والحصار
هى إذا قمة التناقضات، تلك التى شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت ٢٠٠٢، فقد غرق ووزراء الخارجية العرب فى غمار البحث عن كل تفصيلة، فى مبادرة سلام متوافق عليها، تقدم مقاربة جديدة للصراع العربى الإسرائيلي، تتضمن الانسحاب من الأراضى الفلسطينية وإقامة الدولة وعاصمتها القدس مقابل التطبيع مع إسرائيل، مع استمرار شارون فى حصار الزعيم الشهيد ياسر عرفات فى مقره برام الله منذ من نهاية مارس من نفس العام، مشترطا على أبو عمار مقابل السماح له بالخروج من الحصار والمشاركة فى القمة فى بيروت، إصدار إعلان يدعو الفلسطينيين إلى وقف المواجهات فى الانتفاضة الثانية، ومنعه من العودة فى حالة وقوع أى عمليات أثناء غيابه، هو ما رفضه عرفات، وقد بدأت قصة مبادرة السلام العربية بخطاب افتراضى من الرئيس الامريكى جورج بوش كتبه ونشره الكاتب الامريكى توماس فريدمان للقادة العرب، يتضمن المقاربة الجديدة السلام والتطبيع مقابل الانسحاب، وبعدها بأقل من أسبوع مع ولى العهد السعودى الملك عبدالله وكتب تفاصيل المقابلة التى تضمنت ملامح المبادرة السعودية، وهو ما تم الإعلان عنه من ولى العهد السعودى وهو الذى يملك مصداقية كبيرة فى الأوساط العربية، وصاحب مكانة كبيرة لدى المواطن العربي، ويحكى عمرو موسى عن تفاصيل اجتماع ضمه مع الأمير سعود الفيصل، ووزير الخارجية السورى فاروق الشرع، للاتفاق على الصيغة النهائية للمبادرة، التى تولى عمرو موسى كتابتها، وفى الاجتماعات المغلقة، والتى شهدت خلافات وتباين حول الصياغة، بين مصطلح (التطبيع الشامل) (والسلام الكامل)، فقام عمرو موسى باستبدالها بعبارة (العلاقات الطبيعية) كحل وسط، والغريب فى المؤتمر، جاء من اعتراض سوريا ولبنان على مخاطبة الزعيم المحاصر ياسر عرفات للمؤتمر من مقره فى رام الله عبر الاقمار الصناعية، ولكنها ألغيت بعد أن تذرعت إدارة المؤتمر، بمخاوف من تشويش إسرائيلى عليها، فانسحب الوفد الفلسطينى احتجاجا، وبدا وكأن العرب يشاركون شارون فى حصاره لأبو عمار، كما قال حمد بن جاسم وزير خارجية قطر، وبعد كل ماجرى سادت الاوساط العربية حالة احباط شديد، بعد الرد الفاتر من الادارة الامريكية،  كما رفضتها اسرائيل كما كان متوقعا.

سحب الحرب
قد لا ينسى الكثيرون قمة شرم الشيخ فى مارس ٢٠٠٣، حيث استضافتها مصر بدلا من البحرين، نتيجة نذر الحرب فى الخليج، والإعداد لغزو أمريكى للعراق، والذى تم بالفعل بعدها بأسابيع قليلة، حيث شهدت فعلياتها أمرين فى غاية الأهمية، الأول الملاسنة العلنية بين ولى عهد السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والعقيد معمر القذافى.
والثانى ظهور أول مشروع إماراتي، تم طرحه للنقاش حول الخروج الآمن للرئيس صدام حسين، وتخليه عن السلطة فى غضون أسبوعين، وتقديم حماية ملزمة محليا ودوليا، ولم يتم عرض المقترح وإن كان ظهر للإعلام، ولم تمر اسابيع حتى بدأ الغزو فى الشهر التالى مباشرة.

الفرص الضائعة
ساد شعور عام لدى كافة الحاضرين والمشاركين لقمة سرت الليبية الثانية والعشرين فى اكتوبر ٢٠١٠، بأن هناك ضرورة للنظر فى مجمل الوضع العربى برمته، ووصل الأمر إلى ما يشبه (جلد الذات)، كما كان واضحا فى كلمات القادة، مع إقرار بضرورة القيام بمراجعات حقيقية لما آل إليه النظام العربي، ولكن نفس القمة، تم إجهاض مقترح مهم عمل عليه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لأشهر طويلة، وتم مناقشته فى اجتماعات وزراء الخارجية العرب حول تشكيل نظام اقليمى من دول الجوار العربي، يمكن أن يصل أعضاؤها إلى ٢٢ دولة عربية، و١٧ من دول الجوار.

وأخيرا .. الجزائر
ونتوقف عند آخر القمم العربية، التى شهدتها العاصمة الجزائرية أوائل الشهر الماضي، فرغم الجهد الذى بذلته الدولة المضيفة الجزائر لإنجاحها، لدرجة أنها تمنتها قمة (لم الشمل)، يضاف إلى ذلك الإعداد الجيد من كتبية عمل الجامعة العربية بقيادة الأمين العام أحمد ابو الغيط، وإشراف السفير حسام زكى الأمين العام المساعد، إلا أن الخلافات العربية والتباين فى المواقف، كان وراء عدم خروجها عن المألوف، مقارنة بسابقتها، من حيث الحضور أو مستوى التمثيل، او حتى التوصيات بسبب طرح قضايا خلافية، مثل عودة سوريا إلى الجامعة، وضياع فرصة أن تشهد القمة عودة للعلاقات الدبلوماسية والطبيعية بين الجارتين الشقيقتين الجزائر والمغرب، وهذا لا يعنى أنها خرجت دون نتائج مهمة، منها المقترحات المهمة التى طرحها رئيس القمة عبدالمجيد تبون، حول تفعيل آليات العمل فى الجامعة العربية، ودورها فى الوقاية من النزاعات وحلها، ودعم توجه فلسطين للحصول على العضوية الكاملة للجامعة العربية. 
وهكذا سارت القمم العربية، واجهت عثرات، نجحت فى تجاوز بعضها، وفشلت فى التعامل مع بعضها.