« أنغام » المغردة على أفنان شجرة الإبداع .. بين الألغام .. و الآلام !

د. إلهام سيف الدولة حمدان
د. إلهام سيف الدولة حمدان

يساورني معتقد مفاده أن المطرب الأصيل تتشابه مسيرة حياته ــ من حيث معاناته وآلامه ــ ؛ مع آلة “ الناي” الفرعونية العتيدة ـ والقياس مع الفارق ـ فالغريب أن “الناي” لا يستطيع أن يمنحنا نغمًا جميلاً أصيلاً؛ إلا إذا تعرض جسده النحيل الرقيق للعديد من الثقوب؛ ليقوم بتحويل تيارات الهواء في قصبته إلى “أنغامٍ” ذات مقامات موسيقية شجيَّة؛ يتمايل على إيقاعاتها كل مُحبٍ للفن والجمال؛ لذا يقول عشاق الموسيقا :  “ إن الناي آلة حيّة تسكن فيها الروح” !
فقد طيرت الصحف والمجلات الفنية والمواقع الألكترونية ذات صباح من صباحات خريف نوفمبر؛ خبرا حزينا يقول : “ تعرضت الفنانة والمطربة “أنغام” لوعكة صحية طارئة؛ اضطرت بعدها لإجراء عملية جراحية كبيرة أدت إلى مضاعفات تطلبت احتجازها في المستشفى تحت الرعاية الطبية لفترة قد تطول لبعض الوقت “.
وإنني لا أملك ــ ولا يملُك عشاق فنها الأصيل ــ إزاء هذا النبأ الحزين؛ سوى خالص التمنيات القلبية الطيبة بتمام الشفاء والتعافي؛ والعودة إلى حفلاتها وجمهورها المُحب العاشق لصوتها الملائكي الشجي المتربع في حنجرتها الذهبية المتوارثة من زمن الفن الجميل .
واليوم تأكدت ظنوني وخيالاتي ؛ من أن الفنان ـ والمطرب على وجه الخصوص ـ الذي يوهبه الله حنجرة ذهبية وإحساسًا عاليًا بجمال وكمال الكلمات الشاعرة التي يشدو بها؛ ويلمس بأحاسيسه ومشاعره المرهفة؛ أنها تتوافق بجمالياتها ومعانيها مع الألحان والموسيقا التي تأخذ المستمع إلى أقصى حالات الشجن والنشوة والتحليق؛ فإن هذا الفنان كثيرًا مايلاقي في مسيرته الحياتية الكثير من الصعوبات داخل عالمه  في محاولة المواءمة بين حياته الشخصية وبين مجتمعه الفني الذي ينتمي إليه؛ ويكون لزامَّا عليه القفز برشاقة العصفور ــ  بعيدًا عن فوهة بندقية الصياد وحزب أعداء النجاح ــ ليتخطي جميع الحواجز المادية والمعنوية التي تصادفه؛ حتى يستمر في رحلة العطاء الفني الذي قام بتكريس حياته وفنه من أجله؛ وبخاصة عندما تكون تطلعاته وطموحاته أن يكون “قمرًا” ساطعًا متألقًا في “مجرَّة الكواكب الفنية”؛ ولا يرضى بأن يكون “نجمًا باهتًا” في ركنٍ من أركان السموات البعيدة؛ يستجدي النور والضياء ممن حوله .
وأرى أن  نتعرف على بعض الجوانب عن نشأة ومسيرة حياة الفنانة “انغام”؛  المُغردة على أفنان شجرة الإبداع؛ والتي جاءت إلى الحياة على ضفاف عروس البحر الأبيض في 19 يناير 1972؛ وسط مناخ فني ترعرع في زمن الفن الجميل؛ فوالدها هو الفنان الموسيقار/ محمد علي سليمان؛ الذي كان سببًا مباشرًا في رعاية وصقل موهبتها ونبوغها منذ طفولتها المبكرة؛ وعمل على تقديمها في عدة حفلات ومناسبات؛ وتربية حنجرتها الماسية الواعدة على أغان للمطربين والمطربات القدامى مثل كوكب الشرق السيدة/أم كلثوم وليلى مراد ونجاة وغيرهن من الأصوات النسائية القديرة .
ولكن لأنها كانت تتطلع إلى التفرد بشخصيتها المستقلة؛ تمردت على القالب النمطي الكلاسيكي الذي كان يُصر عليه والدها؛ وفي منتصف التسعينات قررت التخلي عن هذا المسار وعدم الاستمرار فيه؛ وقررت الاعتماد على تقديم اللون الشبابي لمواكبة الموجة الجديدة المعاصرة؛  وبرغم صعودها وترعرعها وسط  حديقة من عمالقة الغناء ـ وقتـئذٍ ـ أمثال نجاة الصغيرة وفايزة احمد و .. وردة الجزائرية وذكرى .... إلخ تلك الكوكبة بالغة التميز؛ إلا أنها استطاعت تحقيق عدة نجاحات مذهلة؛ ولم تقنع بوجودها ـ فقط ـ في “الركن البعيد الهادي” في العام 1987؛ وتقوم بإرسال “ أول جواب “ في العام 1988؛ ثم تتبعهما بأغنية “ لاليلي .. لالي “ التي ـ بلغة أهل الفن ـ :  ( كسَّرت الدُّنيا ) في العام 1989؛ وتستمر في نجاحها المبهر؛ وتقوم “ببساطة كدة” في العام 1991؛ بتقديم عدة ألبومات وفيديو كليب  حققت نجاحًا ملحوظا استمر حتى مطلع الألفية الثانية؛ وكأنها تقول لكل المطربات والمطربين على الساحة الغنائية والفنية  :  “ إلا أنا” .. لأنني “ حالة خاصة جدًا” !
    ولإيماني بأن حياة الفنان ــ كشخصية  عامة ــ  من حق الجميع أن يتعرف على بعض جوانبها ويُلم بأطرافها؛ لذا .. سأحاول الإضاءة على بعض جوانب حياتها الخاصة والعامة؛ فهي في سعيها الدءوب لتحقيق النجاحات عبر دروب مسيرتها الفنية؛ لم تستطع أن تخفي أو تستنكر نبضات القلب والخضوع لمشاعر الارتباط  ب “أسرة “ والحنين إلى الأمومة؛ دون التخلي ــ في الوقت نفسه ــ  عن عالم الفن ونجاحاته الرائعة؛ فاستطاعت بروح وعقل الفنانة /الإنسانة ــ  منتصرة على كل المعوقات والعراقيل ــ  تحقيق المعادلة الصعبة  والمواءمة بين الفن .. والأمومة !
ولم تتوقف طموحاتها على تقديم الأغنيات الرومانسية الفردية فقط؛ بل استطاعت منذ العام 1984 وحتى العام 2022 أن تقدم اغاني ل “تترات مسلسلات” : الزنكلوني/العائلة/سر الأرض/حديث الصباح والمساء/في غمضة عين/قلبي معي/ممنوع الاقتراب والتصوير/ حدُّوتة مُـرَّة/ فاتن أمل حربي ؛ ولتعود بقفزاتها الفنية المائزة لتقوم في العام 1999 ببطولة المسرحية الغنائية “رصاصة في القلب” للكاتب المصري العملاق الأستاذ/توفيق الحكيم؛ وشاركها الفنان المطرب /علي الحجار؛ ولتقدم عدة أغنيات منها : حكيم روحاني/حكم الموت مش قرار /مش تعرف تقرا اللي ف قلبي . لتنعم تلك المسرحية بالنجاح الجماهيري طيلة مدة العرض .
ومن أجل امتداد تلك المسيرة الفنية المليئة بالنجاحات ؛واجتذاب جماهير المستمعين والمشاهدين؛  نالت الفنانة “أنغام “ العديد من التكريمات على المستويين المصري والعربي؛ فتم تكريمها من: إذاعة نجوم إف أم؛ وإذاعة ميجا إف إم؛ و من مجلة “الديرجست” كأفضل مطربة عربية؛ و من هيئة الأمم المتحدة في يوم المرأة العالمي؛ والحصول في العام 2019 على جائزتين : “ جائزة الموريكس” و “ جائزة مهرجان القنوات الفضائية” .. وكلاهما كأفضل مطربة عربية .
وأخيرًا .. أليست تلك المسيرة الرائعة للفنانة المطربة “أنغام” ؛ كفيلة بأن نرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير بأن ينعم عليها بالشفاء والتعافي من تلك الوعكة الصحية الطارئة؛ لتعود لتشدو بفنها الأًصيل الجميل ؛ الذي تنتظره جماهيرها في كل أنحاء الوطن العربي .
قولوا معي :
   اللهم آمين !

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي