في الذكرى الـ 34 .. نجل عبد الباسط عبد الصمد: صوت والدي منحة إلهية

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد و نجلة القارئ طارق عبد الباسط عبد الصمد
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد و نجلة القارئ طارق عبد الباسط عبد الصمد

لا يزال صوته يملأ أركان العالم الإسلامي رغم انتقاله إلى الرفيق الأعلى في 30 نوفمبر عام 1988م؛ إنه الصوت الذي اختاره المخرج مصطفى العقاد لرفع الأذان فى فيلم «الرسالة»، وكأنه الأقرب لتصورنا عن صوت «بلال» المؤذن الأول.. القارئ عبد الباسط عبد الصمد ذو أسلوب متميز بين القراء جميعًا، في قوة الصوت وطلاوته، فى طول النَّفس واستشعار جلال القرآن، ولهذا فهو القارئ الأقرب إلى قلوب المسلمين من كل بقاع الدنيا، حتى أقاموا المدارس باسمه، وتفننوا في تقليده والتشبه به.. في هذا الحوار مع نجله القارئ اللواء طارق نكشف بعض التفاصيل عن حياة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى ذكراه:

لماذا يحرص الكثيرون على الاحتفال بذكرى الشيخ عبد الباسط سنوياً ؟
أفضال القرآن تشمل أجيالاً كاملة من أسرتنا، بل ومن قريتنا والمحافظة، ومصر كلها؛ وهي مستمرة إلى يوم القيامة؛ فقد عرفنا الناس لأننا أبناء الشيخ عبد الباسط، القارئ الذي عشقوه وما زالوا يستمعون إليه كل حين، ومنزلنا يمتلئ بالمحبين في ذكراه، وهذا من فضل الله علينا، ونعمة كبيرة، نرجو الله تعالى أن يوفقنا للقيام بحمدها وشكرها على أحسن وجه.

وأن يجعلنا من أهل القرآن القارئين والعاملين به؛ فوالدي كانت له سماته الخاصة من التقوى وحب القرآن والعمل بما فيه، وهو ما أورثه حب الناس واحترامهم، وهكذا هم أهل القرآن دوماً في معية الله، وببركات القرآن ما زال الناس يحبوننا ويحترمون ذكرى أبي.


منحة إلهية
أنت والشيخ ياسر اللذان واصلتما رحلة القرآن دون باقي أبناء الشيخ.. هل تتعمدان تقليد والدكما في التلاوة؟
يعتقد الكثيرون أن صوتي يتشابه كثيرًا مع أبي، رحمه الله، حتى إن مَن يستمع من بعيد يظن أن هذا تسجيل للشيخ، وقد يكون تشابهاً منقولاً بالجينات فقط، فقد أتشابه مع أبي في بعض طبقات الصوت مثلاً.

وكذلك أخي ياسر، لكن الحقيقة الواضحة، أن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد كان منحة إلهية لا شبيه لها حتى من أبنائه، فهو رمزٌ إسلامي نادر التكرار، كأغلب أصدقائه المقرئين الأوائل الذين يأتون بنفحة من الله ولا يتكررون.


بعد كل هذه السنوات على وفاة الشيخ عبد الباسط.. ما أبرز توجيهاته لك التى لا تزال تتذكرها؟
القرآن الكريم دستور حياة لأسرتى كلها منذ جدودى الأوائل وليس فقط من الشيخ عبد الباسط ولا يُقارن به أى شىء آخر، ومع هذا فقد أديت عملى كضابط للشرطة كما يجب بشهادة رؤسائى ولم أقصر أبدًا فى احترام مهنتى فأديت خدمة متميزة أفدت بها وطنى حتى وصلت إلى رتبة اللواء ونلت شهادات رؤسائي.

ولكن القرآن كان كل حياتى فضلاً عن أن وصية والدى لى كانت بالاهتمام بالقرآن وإكمال مسيرته، ولذلك سجلت القرآن برواية حفص عن عاصم ورواية قالون عن نافع المدنى وحصلت على إجازة التجويد من الأزهر الشريف.

وسافرت قارئًا لإحياء ليالى رمضان إلى معظم دول العالم موفداً من وزارة الأوقاف، وكنت قارئ وزارة الداخلية فى الاحتفالات الرسمية ولذلك تم تكريمى بالحج على نفقة الوزارة. أنت قارئ وابن قارئ.. هل تشعر برهبة القرآن عند كل تلاوة جديدة؟
قراءة القرآن أفضل شىء أقوم به فى حياتى، وأرجو أن يتقبله الله منى ويجعله فى ميزان حسناتي.. وعندما يجلس القارئ الحقيقى على دكة القراءة يتمثل القرآن فى ذهنه ويركز فيه وفى أحكامه ومعانيه، فإذا خرج القرآن من قلب القارئ سيذهب مباشرة إلى قلوب المستمعين.


منصة إسنا!
هل استمع والدك الشيخ عبد الباسط إلى تلاوتك.. وماذا كان تعليقه عليك؟
- خلال مرافقتى لوالدى، رحمه الله، وكان مدعوًّا لإحياء ليلةٍ قرآنيةٍ بصعيد مصر بمدينة إسنا، وعقب انتهائه من القراءة طلب إليه بعضُ الحاضرين الاستماع لابنه القابع بجواره وأن يجلس على منصة التلاوة كى يسمعه الحاضرون.. ووقتها فوجئت بهذا الطلب إذ لم أكن مُستعدا ولا خطر ببالى أن أقرأ أمام هذا الحشد الكبير وبحضور والدى.

وذلك القارئ الكبير، وزاغت نظراتى وبدأتُ أتطلعُ إلى الجمهور تارةً وإلى والدى تارةً أخرى، حتى حسم الشيخ الأمر وأمرنى بالصعود إلى المنصة وقراءة ما تيسر من القرآن، فتملكنى الرعب من هذا الموقفِ لكنى استجمعتُ قواى وتوكلتُ على الله.

وبدأتُ فى القراءةِ لنحو خمس عشرة دقيقة، وكانت بفضل الله قراءةً موفقةً، إذ أثنى على الوالد وأثنى عليّ الحاضرين؛ ومنذ هذه الليلةِ المباركةِ انتويتُ التوجه إلى معهد القراءات بالأزهر الشريف لأتوّج تلك الموهبة القرآنية التى ورثتُها عن أبى بالدراسة لأكونَ جديرًا بحمل لقب قارئ الذى يأتى فى المرتبةِ الأولى من حياتي.


جيل منفوح
هل ترى أن هناك منافسات عربية لمدرسة التلاوة المصرية؟
مصر هى أساس المقرئين بالعالم العربى والإسلامى كله، كانت ولا تزال سيدة الدنيا فى قراءة القرآن، صحيح هناك قراء جيدون فى كل العالم الإسلامى وهذا شيء جيد وخير كبير، ولكن الحقيقة أن مصر كانت ولا تزال هى الرائدة بفضل قرائها الكبار وتسجيلاتهم.

وهذا الجيل كان منفوحاً بمدد السماء، فهم حالة خاصة فى التعلق بالله وحب القرآن من أجل القرآن، قلوبهم نظيفة ويحبون بعضهم بعضًا لأن القرآن كان الأساس فى تعاملاتهم، لذلك ظلوا قريبين من الناس حتى الآن.

وإضافة إلى علمهم الكبير بأحكام التلاوة وإنفاق الأيام والليالى والسنوات للحفظ والدراسة والتجويد ودراسة الأحكام والحصول على الإجازات القرآنية، وقد كافأ الله تعالى مجهودهم وجعلهم مرتبطين بالقرآن وقربهم من قلوب الناس؛ كما أننى متفائل بقرائنا الحاليين، وأراهم قادرين على حمل الرسالة، إن شاء الله.
 

اقرأ ايضا | نجل القارئ عبدالباسط عبدالصمد: والدي كان يسير 5 كيلو ليستمع للقرآن بالراديو| فيديو