خالد محمود يكتب: «إيو».. العالم بعيون «حمار»

خالد محمود يكتب ..«إيو».. العالم بعيون «حمار»
خالد محمود يكتب ..«إيو».. العالم بعيون «حمار»

خالد محمود يكتب : «إيو»..  العالم بعيون «حمار» 

تبقى السينما دائما هى الوجه الآخر للضمير، تعيد نظرتنا لأنفسنا عبر مشاهد على الشاشة، هى لمحات من حياتنا، تفرج عن مكنون الخطايا الذى لم نكن نجرؤ على البوح به، تحرك بوصلة مشاعرنا نحو الحب والخير والصواب، تستكشف أحوالنا كعالم نتعايش مع ما تجلبه عجلة الأقدار.

وعلى شاشة مهرجان القاهرة السينمائى نشاهد فيلما كسر كل الحواجز، هو فيلم المخرج البولندى جيرزى ‬سكوليموفسكى، بعنوان «إيو» أو «Eo»، الذى يتجاوز المألوف وكأنه لوحة أدبية. نقرأ كل أفكاره من خلال تتبع سرده وصورته الكاشفة لمتغيرات اجتماعية معاصرة، بطل فيلمنا الرئيسى حمار رمادى اللون يعكس لون حياة.

ونعم حمار يصادف فى رحلته أناس سيئين وجيدين يراقبهم، فى عالم غامض يختبر الفرح والألم وفق سلوكهم فى لغة مبتكرة جديدة مذهلة لإظهار طريقة غير بشرية للرؤية على الشاشة.


العمل السينمائى مستوحى من فيلم المخرج الفرنسى روبرت بريسون أنتج عام 1966 Au Hasard Balthazar  ، يروى قصة حياة حمار وُلد فى سيرك بولندى، وينتقل للعيش فى منطقة أخرى.

ويحول حظه إلى كارثة ويأسه إلى نعيم دون أن يفقد براءته فى كل لحظة، خاض رحلته وهو يراقب ما يحدث من تغيرات اجتماعية وسياسية واخلاقية بأسلوب ساحر وساخر وعميق وجذاب، فبعد هروبه يتبناه رجل وتستمر مغامراته وعواطفه. مشاعر خام يتم التقاطها بشكل جميل لتعكس مخاوفنا من مخاوفنا، انعكاسا للعصر كمرآة مزعجة ومقلقة للبشرية فى أسوأ حالاتها التعسفية.


تستكشف الحكاية المليئة بالحيوية واقع أوروبا الحديثة كمكان يمكن فيه الاحتفال بالإبداع الجميل أو التخلص منه.والحمار كان يعيش أفضل أيامه كممثل سيرك متنقل مع مدربته، وكان بينهما علاقة جميلة.

ولكن نشاهد المظاهرات المُنددة بحقوق الحيوان المُهدرة، وعندها تختلف حياة «إيو» وتبدأ رحلته الطويلة من مالك لآخر، بشكل متدفق فى السيناريو، حيث ينتقل مع مصور فوتوغرافيا، ثم فى اسطبل خيول وأماكن متعددة نرى فيها بشر وتصرفات متعددة يبدو وكأنه يسجلها  فى ذاكرته الراصدة.

والتى تتلقى كل ما تراه، تتفحصه وتكشف عما بداخله من عوار إنسانى، تقترب منه الكاميرا فى زوايا ضيقة، تُبرز ملامح وجهه، وتعبيرات عينيه، بمشاعر خاصة تراقب وترى وتلمس وفق سرد رائع لنقف أمام الحرية تارة والعبودية تارة أخرى.


ورحلة بطلنا مفعمة بالحيوية لكنها تأمل فى الذات، تأخذه رحلته عبر جمال الطبيعة الهادئ وعبر الشوارع المرصوفة بالحصى، حيث يلتقى بجميع أنواع الأشخاص من مثيرى الشغب فى كرة القدم إلى شاب مدلل فى طريقه إلى إيطاليا. ليست كل لقاءاته مفيدة لبقائه على قيد الحياة، حيث يتعرض للخطر فى كثير من الأحيان. لكنها رحلة مشجعة للتأمل حتى ولو مليئة بأحزان مكبوتة .


يعرف مؤلفا السيناريو سكوليمووسكى وإيوا بياسكوفسكا ذلك ويلعبان بتعاطفنا على هذا النحو، يمسكان بيدنا بلطف كما لو كانا يرشداننا خلال الرحلة السينمائية بالكامل، لنعرف من نحن. كل شىء يبلغ ذروته فى خاتمة حزينة ومضغوطة. 

اقرأ ايضا | محمد صبحى يكتب:«آل فابلمان» لستيفن سبيلبرج.. خطاب ساحر في حبّ السينما

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا