عصام زكريا يكتب : فيلم من بطولة حمار وآخر من بطولة وإخراج أديبة نوبل

شعار مهرجان القاهرة السينمائى الدولي
شعار مهرجان القاهرة السينمائى الدولي

هناك صناع أفلام تسبقهم شهرتهم وانجازاتهم السابقة، ومن هؤلاء الأخوان داردان البلجيكيان، المعروفان بأعمالهما الواقعية التى تصور الحياة اليومية للمهمشين
فى الأرض

ما يبقى من الحب هو طعم الدموع والقبلات، ولحظات السعادة المنزوعة من أسر الزمان والمكان.وما يبقى من المهرجانات السينمائية هو الأفلام الجيدة، لا الفساتين ولا الصراعات ولا مشاكل التنظيم، إلا إذا أثرت هذه الأشياء الثانوية على الأفلام نفسها، وحالت دون لقاء الأفلام بجمهورها.وفي عصر الانترنت والمنصات والشاشات المنزلية فائقة الجودة والفيروسات فائقة الفتك، بدا وكأن السينما بمفهومها القديم في طريقها إلى الاندثار، لكن يبدو أيضا أن المهرجانات ستظل الحصن والحضن الأخير الذي يتجمع فيه عشاق السينما التقليدية ليمارسوا شعائرهم المقدسة المعتادة: الجلوس صامتين داخل قاعة كبيرة مغلقة ومظلمة ليشاهدوا معا فيلما، وبعد أن تضاء الأنوار يخرجون متأثرين تحت سحر الفن ( أو مستاءين وغاضبين) ويتبادلون الآراء والمناقشات حول الفيلم الذى شاهدوه.

من بين الأفلام المعروضة فى الدورة الرابعة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى (من 13 إلى 22 نوفمبر الحالى) اخترت قائمة لبعض أعمال من الشرق والغرب، الشمال والجنوب، يجمع بينها الجمال الفنى والحس الانساني، قد تتسم بالجدية أكثر من ذوق المشاهد العادي.

وقد يحتاج تذوقها والاستمتاع بها بذل بعض الجهد والصبر، لكنها بالتأكيد روائع لا ينبغى لأى محب للفن السينمائى أن يتجاهل مشاهدتها. وبالمناسبة بعضها سيكون متوفرا على المنصات أو دور العرض أو على الانترنت فيما بعد. 


أول هذه الأعمال هو فيلم «آل فيبلمان» الذى عرض فى افتتاح المهرجان «من إخراج الأمريكى ستيفن سبيلبرج، صاحب الأفلام الأكثر نجاحا تجاريا فى التاريخ مثل «الفك المفترس"، «إى تى، «لقاءات قريبة من النوع الثالث»، سلسلة «إنديانا جونز، «إنقاذ الجندى رايان» وغيرها.


سبيلبرج، الذى يبلغ من العمر 75 عاما، يتخلى هنا عن مبدئه فى صنع أفلام جماهيرية تتناول موضوعات عامة، ليصنع فيلما عن سيرته الذاتية للمرة الأولى فى حياته، حيث يروى كيف أحب السينما منذ طفولته المبكرة وقام بصنع أفلام منزلية بكاميرات بدائية، وعلاقته بأبويه.

ويروى بصراحة بعض الأسرار الداكنة داخل العائلة، والتى تركت بصمتها بشدة على نظرته للمرأة، وطبيعة أفلامه «الهروبية"، مما يمكن أن يفسر الكثير من أفكاره وموضوعاته وشخصياته المتكررة.


«آل فيبلمان» فيلم كلاسيكى الاسلوب والموضوع، يمتد عبر سلسلة طويلة من أفلام السيرة الذاتية للمخرجين، مثل «الفراولة البرية» لبيرجمان، و"ثمانية ونصف» لفللينى و"كل هذا الجاز» لبوب فوص، و«إسكندرية ليه» ليوسف شاهين، وكان آخرها «بيلفاست» لكينيث براناه العام الماض».

وقد يكون معظمها أفضل من «آل فيبليمان»، ولكن سبيلبرج له بصمته الخاصة التى تتمثل فى الطابع العاطفى الميلودرامى والتنفيذ البارع للحقبة التاريخية، وقدرته على الامتاع.


وإذا لم تكن قد شاهدت من قبل فيلما من أعمال المخرج المجرى بيلا تار، الذى يكرمه مهرجان القاهرة هذا العام، فهى فرصة للتعرف على عالم غريب من الفن السينمائى، لن يعجب كل المشاهدين بالتأكيد، ولكن من يدلف إلى هذا العالم ويتعرف على معالمه، تنتظره متعة ذهنية وجمالية من نوع مختلف.


بيلا تار، المولود 1955، له العديد من الروائع يعرض منها المهرجان فيلمى «حصان تورينو"، و«تناغمات فيركمايستر»، وكلاهما من أعماله الشهيرة.ويحتفل المهرجان أيضا بذكرى اثنين من عظماء السينما العالمية: السويسرى الفرنسى جان لوك جودار، الذى توفى هذا العام.

ويعرض له المهرجان اثنين من أعماله المميزة هما «على آخر نفس"، الذى صاغ مفهوم تيار «الموجة الجديدة» و«بيرو الأحمق»، وكلاهما من بطولة جان بول بلموندو. كذلك يحتفل المهرجان بذكرى بيير باولو بازوليني، المخرج والشاعر الكبير، الذى اغتيل فى السبعينيات بسبب أفلامه المثيرة للجدل. ويعرض له المهرجان فيلمى «الصقور والعصافير» و«ميديا».


وخارج المسابقات والبرامج الخاصة يعرض المهرجان عددا من أفضل أفلام 2022، من بينها فيلم «إيو» EO،  للمخرج البولندى جيرزى سكونيموفسكى، وهو فيلم جرىء فى فكرته واسلوبه يلعب بطولته حمار، نرى العالم من خلاله، والفيلم قصيدة بصرية تجمع بين السينما والشعر والموسيقى.


أما محبو الأدب فبالتأكيد سيستمتعون بفيلم «سنوات السوبر 8"، وهو عمل وثائقى من إخراج وتأليف آنى إرنو الأديبة الحاصلة على جائزة نوبل هذا العام (بالمشاركة مع زوجها ديفيد).

ويعتمد الفيلم على مواد عائلية وشخصية تم تصويرها بكاميرا «السوبر 8» القديمة معظمها داخل منزل الأسرة، ويحمل الفيلم حنينا مؤثرا لسنوات الشباب والعمر الذى يمر ولعصر السوبر 8، وهو مثل كتابات إرنو يتسم بالذاتية والحميمية.


من الأفلام الأخرى التى يمكن أن تهم عشاق الفنون فيلم «دالى لاند»  Daliland الذى يدور حول الفنان التشكيلى سلفادور دالى، وهو انتاج إنجليزى من إخراج الكندية مارى هارون، صاحبة الأفلام المتميزة مثل «أطلقت النار على آندى وارهول» والذهانى الأمريكى» American Psycho.


هناك صناع أفلام تسبقهم شهرتهم وانجازاتهم السابقة، ومن هؤلاء الأخوان داردان البلجيكيان، المعروفان بأعمالهما الواقعية التى تصور الحياة اليومية للمهمشين فى الأرض، بايقاع يبدو تسجيليًا ولكنه محمل بالشعر والدفء الانساني.

ويعرض لهما المهرجان قصة اثنين آخرين من المهمشين هما المهاجران الإفريقاين «تورى ولوكيتا». ومن رومانيا التى حققت طفرة سينمائية خلال العقد الأخير من خلال عدد من فنانيها الشباب جمعوا فى أعمالهم بين الوثائقى والروائى.

وعلى رأسهم المخرج كريستيان مونجيو الذى يعرض له المهرجان فيلمه الأحدث «لمحة"، الذى يتناول هموم الحياة فى قرية صغيرة من خلال قصة تقليدية لرجل يعود إلى موطن رأسه لزيارة عائلته.


من الأفلام ذات الحس الأدبى أيضا الفيلم اليابانى «الحب، الحياة"، للمخرج الشاب كوجى فوكادا، المستلهم من قصيدة غنائية صدرت فى ألبوم بالاسم نفسه، وهو تأمل شاعرى فى الحياة والحب، يعرض قصة امرأة موزعة بين حبها لزوجها، والبحث عن حبيبها السابق، والد طفلها المفقود، الذى يعود فى حالة مزرية.


أما هواة الأفلام ذات البعد الأنثروبولوجى، فلديهم فيلم «إيمى» EAMI، وهو انتاج مشترك بين البورجواى والأرجنتين بدعم أوروبى، يستعرض واحدة من أساطير السكان الأصليين فى أمريكا اللاتينية فى قالب خيالى شاعرى.


وهواة الأفلام السياسية المعاصرة يمكن أن يجدوا ضالتهم فى الفيلم الألمانى «ربيعة كورناز ضد جورج بوش» للمخرج أندرياس دريسن، الذى يروى قصة حقيقية حول امرأة تركية الأصل يعتقل ابنها فى سجون جوانتانامو وتسعى لتبرئة ساحته على مدار سنوات.


وأخيرا من أفلام المسابقة الرسمية (وهى بالمناسبة قد تكون أضعف قسم فى مهرجان القاهرة السينمائى بسبب شروط المسابقة ومنها أن يكون الفيلم عرضا عالميا أول) هناك عدة أفلام جيدة على رأسها فيلم «قصة الحطاب» الفنلندى للمخرج ميكو ميلاهيتى.

والذى يروى فى قالب سيريالى كوميدى يوميات الحياة فى قرية فنلندية نائية تدخلها رياح التحديث، فيفقد العمال وظائفهم، ومنهم رجل طيب يحاول انقاذ ابنه من الضياع. وهو فيلم غريب ومختلف، لكنه مبهج وممتع للعين والعقل.


من أفلام المسابقة أيضا الفيلم المصرى «19 ب» للمخرج أحمد السيد عبد الله، صاحب «هليوبوليس» و"ميكروفون» و"فرش وغطا» و"ديكور» و"ليل خارجي» التى حصلت على جوائز وشاركت فى مهرجانات دولية كثيرة.

وفى فيلمه الجديد يروى أحمد عبد الله قصة حارس عقار وسايس عجوز فى حى الزمالك يواجه شابا يتعدى على حدود منطقته، فى تأمل رمزى لطبيعة السلطة والصراع عليها.

اقرأ ايضا | بدء ندوة المخرج المجري بيلا تار ضمن فعاليات «القاهرة السينمائي»