وداعًا «سلطان» الألحان

الموسيقار الراحل  محمد سلطان وزوجته المطربة الراحلة فايزة أحمد
الموسيقار الراحل محمد سلطان وزوجته المطربة الراحلة فايزة أحمد

عمر السيد 

على مدار مشواره الفني الطويل، قدم الموسيقار الكبير محمد سلطان العديد من الأعمال والروائع الموسيقية التي برهنت على قدراته ورؤيته الفنية المعاصرة التي لم يختلف عليها أحد، وكانت سببا لدعم وتشجيع الكثيرين من حوله له ومنذ الصغر، وفي مقدمتهم “موسيقار الأجيال”، محمد عبد الوهاب، الذي تنبأ بموهبته مبكرا، وأشاد بها رغم صغر سنه في ذلك الحين.. في السطور التالية نستعرض حياة لفنان مليئة بالحب والفن، في وداع “سلطان الألحان”، محمد سلطان. 

كما كانت حياته هادئة خالية من الصراعات والأزمات وممتلئة بالحب لحبيبته وزوجته المطربة الراحلة فايزة أحمد، اختار الموسيقار الكبير أيضا الرحيل في صمت وهدوء دون جلبة ولا صخب إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، تاركا ورائه إرثا وتاريخا موسيقيا كبيرا، كان النصيب الأكبر فيه للشاشة الفضية، ولزوجته التي جمعته بها العديد من التجارب الغنائية.

كانت خلف هذه الموهبة الفنية الكبيرة التي تمتع بها الموسيقار الراحل محمد سلطان عدة مقاومات، بداية من ميلاده في الإسكندرية الساحرة، أرض الفنون والجمال، في 20 من يوليو عام 1937، لأبوين كان على قدر عالي من الثقافة والتذوق لمختلف الفنون، فوالده “سلطان بك” الذي كان يعمل حكمدارا للمحافظة، وأمه التي كانت تجيد العزف على البيانو، مما جعله يرث عنها حب الموسيقى وعزفها، حتى أجاد العزف على العود في عمر مبكر.

التحق الموسيقار الكبير في طفولته بمدرسة “فيكتوريا كوليدج”، ثم مدرسة الرمل الثانوية، إلى أن حصل على ليسانس من جامعة الإسكندرية عام 1960، ثم الكلية البحرية، قبل احترافه الفن. 

ورغم أن موهبته كانت موسيقية خالصة، كما شهد له مكتشفه الموسيقار محمد عبد الوهاب في لقائهما الأول وقت أن كان عمر سلطان لا يتجاوز الـ8 سنوات، وهو اللقاء الذي قال عنه سلطان في إحدى لقاءته: “في لقائي الأول بالموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أخبرته بحبي الشديد للموسيقى، وإجادتي العزف لعدة ألحان وضعتها بنفسي، وما كان منه إلا أن طلب أن أعزف له، وبالفعل بدأت في العزف أمامه، وما أن أنتهيت إلا وفوجئت به يحتضنني ويطلب مني أن أعرفه بوالدي، وحينما ذهبنا سويا المنزل وقابل والدي طلب منهما الاهتمام بي وبموهبتي، وقال لوالدي: (ابنك هزني بموهبته.. وهيبقى حاجة كبيرة.. وموسيقار ذو شأن.. فكرني بطفولتي وأنا في سنه.. كنت مثلة أغني وألحن وأعزف”. 

“بداية غير متوقعة” 

حينما قرر سلطان احتراف الفن لم تكن بداية طريقه من خلال الموسيقى، لكن من بوابة “الشاشة الفضية”، فبعد أن ترك الكلية البحرية اتجه فورا لاحتراف التمثيل، حيث شارك في بطولة عدة أفلام منها “عائلة زيزي” و”من غير ميعاد”، قبل أن يتغلب عليه عشقه الموسيقي ليعود إليه بعد عدة سنوات، ولعبت الصدفة دورا كبيرا في دخوله هذا المجال، إذ كانت البداية حينما شاهده المخرج العالمي يوسف شاهين صدفة، وأرد أن يستغل مظهره الرياضي وعشقه للفروسية وركوب الخيل، وقال له أنه يرى فيه مواصفات نجم سينمائي، وطلب منه المشاركة في دور بفيلمه “الناصر صلاح الدين”.

هذا الدور كان أول تجارب سلطان مع السينما، إلا أنه حينما عرض كان الجمهور قد تعرف على موهبة سلطان من خلال أعمال أخرى سبقت عرض “الناصر” بسبب طول فترة تحضير الفيلم، حيث كان 1962 عام الإنطلاق السينمائي للموسيقار الكبير، و شارك خلاله فيما يقرب من 4 أعمال من أصل 11 عمل قدمها خلال مسيرته الفنية. 

أول فيلم شارك فيه سلطان، “يوم بلا غد”، الذي قدم فيه دور “حسين”، أمام فريد الأطرش ومريم فخر الدين، الفيلم الثاني “من غير ميعاد “ الذي جسد فيه دور “وحيد” ليكون أول دور يظهر فيه بدور الشاب الوسيم الذي تقع الفتيات في حبه، وشارك في بطولة الفيلم سعاد حسني ونادية لطفي ومحرم فؤاد، وكان الفيلم إخراج أحمد ضياء الدين وتأليف يوسف عيسى.  

في العام نفسه قدم فيلم “كريم ابن الشيخ”، وهو عمل مصري فرنسي إيطالي مشترك، إخراج الإيطالي ماريو كوستا، وتأليف الإيطالي نينو ستريسا، وحوار عبدالوارث عسر، بطولة فريد شوقي، مريم فخر الدين، الأمريكي جوردون سكوت، لولا صدقي.

وكان آخر عمل قدمه في العام 1962 هو “دنيا البنات “، أخراج وتأليف سعد عرفة، بطولة ماجدة، رشدي أباظة وشويكار.

في العام التالي جسد سلطان دور “المخرج يوسف حسين” في فيلم “عائلة زيزي” أخراج فطين عبدالوهاب، سيناريو وحوار السيد بدير، والذي يعد واحد من أشهر أدواره، والعمل بطولة سعاد حسني، فؤاد المهندس، أحمد رمزي، إكرام عزو، عقيلة راتب.. وفي العام نفسه، عرض فيلم “الناصر صلاح الدين” بطولة أحمد مظهر، نادية لطفي، صلاح ذو الفقار، ليلى فوزي، وجسد سلطان في الفيلم دور “القائد حسام الدين”. 

في العام التالي شارك في فيلم “الباحثة عن الحب” الذي شارك في بطولته نادية لطفي وأحمد رمزي ورشدي أباظة، وأخراج أحمد ضياء الدين، تأليف عزت الخطيب، سيناريو وحوار حسين حلمي المهندس.

عام 1965 شارك في فيلم “جدعان حارتنا”، مع أحمد رمزي وأخراج وتأليف عبدالرحمن شريف، وشارك في البطولة أمال فريد، محمد عوض، سمير صبري وأمين الهنيدي، كما ظهر في نفس العام كضيف شرف في فيلم “مدرس خصوصي” مع نادية لطفي، عماد حمدي وحسن يوسف.

 

“ألحان” 

آخر أفلام سلطان كانت “كم أنت حزين أيها الحب” عام 1980، وجسد فيه دور “حسين”، أخراج عبدالمنعم شكري، تأليففراج إسماعيل، بطولة ميرفت أمين وشكري سرحان، حيث قرر بعدها الموسيقار الراحل العودة لمعشوقته “الموسيقى”، لكن يبدو أن عشقه للسينما كان له بالغ الأثر على عمله بالموسيقى، حيث أرتبطت أغلب مؤلفاته الموسيقية بالسينما أيضا، فقدم الموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأفلام منها “المطارد” عام 1985، “التوت والنبوت” عام 1986، “النمر والأنثى” عام 1987، “يا عزيزي كلنا لصوص” عام 1989، “ليه يا دنيا” عام 1994، “السوق” عام 1992، “الشرس” عام 1992، “همس الجواري” عام 1992، “سمارة الأمير” عام 1992، “زوجة محرمة” عام 1991، “تصريح بالقتل” عام 1991، “الراقصة والسياسي” عام 1990. 

ولم تقتصر إسهاماته الموسيقية على هذا النحو فحسب، حيث قام بوضع العديد من الألحان لأغنيات زوجته المطربة فايزة أحمد، ومن أهم ألحانه الغنائية كانت “غريب يا زمان” و”رسالة إلى امرأة”.

علي جانب آخر جمعت الموسيقار محمد سلطان علاقة قوية بالكثير من أبناء الوسط الفنى والموسيقي، كما كانت له علاقات قوية أيضا بعدد من رجال السياسة والزعماء، أبرزهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي قال عنه سلطان في إحدى لقاءاته السابقة: “كنت أحبه جدا، وفي البداية هو من طلب رؤيتي، حتى صارت بيننا علاقة صداقة قوية، وكنا نجتمع فى مزرعة القناطر، وأعزف أنا على العود وينطلق هو فى الغناء، فلقد كان يمتلك صوتا حلوا، ورأيت بداخله فنانا عظيما وحسًّا فنيًّا، وكان بإمكان السادات أن يصبح ملحنًا، لأنه كان موهوبا في الطرب والتلحين”، ويعتبر الموسيقار الراحل أول من حصل على جائزة الدولة التقديرية.

وعن حياته الأسرية، فأن سلطان تزوج من المطربة فايزة أحمد وعاشا معا أكثر من 17 عاما، لكنهما انفصلا، وعاد للزواج منها وقت أزمتها الصحية في بداية الثمانينات، وحتى وفاتها في سبتمبر عام 1983، وأنجبا توأم يقيمان في فرنسا بعد دراستهما للطب هناك، وعن فايزة قال سلطان بعد وفاتها: “بعد فايزة أحمد مفيس ست تملا عيني”.

أقرأ أيضأ : مديرة أعمال الراحل محمد سلطان: أوصى بلفه بعلم مصر والصلاة عليه في مسجد عمر مكرم