فى الصميم

ماذا بعد صواريخ بولندا؟

جلال عارف
جلال عارف

بينما تتواصل محاولات «تبريد» الموقف بعد أزمة صواريخ بولندا التى كادت تأخذ العالم الى مشارف حرب نووية كارثية..

يستمر الرئيس الأوكرانى «زيلينسكى» فى التمسك بروايته عن مسئولية روسيا عن إطلاق الصواريخ على بولندا، وهى الرواية التى سارع «زيلينسكى» بالترويج لها فور وقوع الحادث وقبل أى تحقيقات وكانت كفيلة بتوسيع الحرب لتصبح صداما بين روسيا و«الناتو»، لولا الحكمة التى أديرت بها الأزمة، وخاصة من الرئيس الأمريكى «بايدن» الذى سارع بتهدئة الموقف..

والإعلان عن أن الصواريخ على بولندا لم تنطلق ـ على الأرجح ـ من جانب روسيا، وكشف لزعماء التحالف الغربى أن الدفاعات الجوية الأوكرانية هى التى أطلقت هذه الصواريخ (!!) وهو نفس ما أعلنه الرئيس البولندى على ضوء التحقيقات التى أجرتها بلاده.

الرواية المعلنة من الحلفاء الغربيين حتى الآن لا تلقى باللوم على أوكرانيا بل تشير الى أن الحادث وقع دون عمد عندما كانت الدفاعات الجوية الأوكرانية تطارد صواريخ روسيا التى كانت تنهال عليها بل ويحمل الحلفاء المسئولية غير المباشرة على روسيا بسبب شنها للحرب على أوكرانيا..

ويطمئن الحلفاء أوكرانيا باستمرار دعمهم حتى النهاية..

ومع ذلك يتمسك الرئيس الأوكرانى «زيلينسكى» بروايته التى رفضها الرئيس الأمريكى مرة ثانية وهو يعرف أن موقف الحلفاء لم يصدر إلا بناء على معلومات مؤكدة من أجهزة الرصد والأقمار الصناعية..

وإذا استبعدنا أن يكون زعماء أمريكا وأوروبا وحلف «الناتو» جميعاً متواطئين لتبرئة روسيا من المسئولية عن صواريخ بولندا، فإن السؤال الأساس سيبقي: ما الذى يخشاه «زيلينسكى» من موقف الحلفاء الغربيين؟!

لا إجابة قاطعة على السؤال، ولكن حادث صواريخ بولندا وقع فى فترة كانت كل الأطراف تسعى للتهدئة، وتبحث عن مخرج من أزمة طالت وحرب تركت آثارها الكارثية على العالم كله.

تقدير أمريكا التى تقود التحالف الغربى وحلف «الناتو» فى مواجهة روسيا أن أوكرانيا «مع كل المساعدات العسكرية الغربية» لن تصل الى أكثر مما وصلت إليه بإجبار روسيا على الانسحاب من «خيراسيون»، وأن هذا هو وقت الإعداد للتفاوض مع انخفاض وتيرة القتال فى فصل الشتاء، وقبل أن  تعيد القوات الروسية تنظيم نفسها مع 300 ألف مقاتل جديد تم تجنيدهم.. وحديث رئيس الأركان الأمريكى وهو أكبر قيادة عسكرية قبل أيام يغنى عن أى تحليلات، ويؤكد أن أحدا لن ينتصر فى هذه الحرب، وأن هذا هو الوقت لفتح الباب أمام الحل السياسى.

ويبدو أن الرئيس الأوكرانى لم يستوعب بعد أن كل الأطراف قد تعبت من الحرب، صحيح أن أوكرانيا دفعت الثمن الأكبر، لكن آثار الحرب كانت وبيلة على الحلفاء، وعلى روسيا، وعلى كل دول العالم.. ولم يستوعب أيضا أن للتصعيد بين الغرب وروسيا حدوداً، وأن إهدار فرصة التفاوض فى الوقت المناسب سوف تكلف العالم الكثير..

وأيضا يبدو أن «زيلينسكى» لم يستوعب حقيقة أن مخازن الأسلحة لم يعد فيها الكثير وأن التمويل لم يعد «شيكاً على بياض» فى ظل أزمات مالية تعصف بأوروبا، ومع سيطرة «الجمهوريين» فى أمريكا على مجلس النواب.

فى الأسابيع الأخيرة، ومع انفتاح قنوات الاتصال بين واشنطن وموسكو.. كانت هناك جهود أمريكية لإقناع «زيلينسكى» بحدود دوره فى حرب أدركت أطرافها الرئيسية أن أحداً لن ينتصر فيها، وبدأت التفاوض حول إنهائها! وهو ما أتاح للجميع «ماعدا زيلينسكى» أن يتجاوزوا أزمة الصواريخ البولندية بحكمة منعت الوصول الى كارثة حرب عالمية تدمر العالم كله.

هناك ما يخشاه زيلينسكى (وهو بالتأكيد ليس اتهامه بالبلاغ الكاذب عن صواريخ بولندا!!).. وهناك ما يخشاه العالم وهو ألا يتذكر الجميع أننا كنا قبل أيام على بعد أمتار قليلة من حرب عالمية ثالثة.