يوميات الأخبار

نحن والعالم.. وتغير المناخ

محمد بركات
محمد بركات

«الحقيقة المؤكدة.. هى أن كوكب الأرض بدأ فى افتقاد الصلاحية للحياة البشرية، نتيجة التلوث والمتغيرات المناخية الخطرة التى حدثت فيه، وأصبحت واقعاً مخيفاً ومدمراً..»

ليس من المفترض ولا المستهدف على الاطلاق إخافة أحد أو اثارة القلق والاضطراب فى نفوس الناس،....، ولكن للاسف كل التوقعات العلمية المستندة الى دراسات ودلائل جادة لا تبعث على الاطمئنان ولا تساعد على تهدئة الخواطر وراحة البال،....، بل على العكس من ذلك هى فى غالبيتها إن لم يكن جميعها تبعث على القلق والخوف الشديد جدا، وليس مجرد القلق العادي.


وتوقعات العلماء التى نقصدها هى تلك المتعلقة، بمستقبل الأرض التى نحيا عليها الآن، فى ظل المتغيرات الجسيمة التى طرأت على المناخ المحيط بهذا الكوكب الصغير، من مجموعة الكواكب المحيطة بالشمس والدائرة فى فلكها منذ ملايين السنين، وحتى يأتيها أمر الله ليلا أو نهارا فى لحظة من يوم مقدور لا يعلمه إلا هو سبحانه.


متغيرات جسيمة
وقبل أن ندخل فيما وصل إليه العلماء من توقعات واستنتاجات يرونها مؤكدة من وجهة نظرهم بناء على الدراسات المستفيضة التى عكفوا عليها طوال السنوات والفصول الماضية،....، هناك من الشواهد والوقائع ما يجب ان نضعه فى اعتبارنا ونخضعه للملاحظة والتدقيق والفحص والتفكير، حتى نكون على بينة من الخطر الذى يحيط بنا الآن.. وتداعياته التى تنتظرنا، بل وتتربص بنا فى المستقبل الذى بات أقرب إلينا من حبل الوريد.


وفى المقدمة من هذه الشواهد وتلك الوقائع اللافتة للانتباه بقوة، ما أصبحنا نتعرض له من موجات شديدة الحرارة فى الصيف، وموجات شديدة البرودة فى الشتاء، بصورة لم تكن معتادة من قبل طوال السنوات الماضية،....، هذا فضلا عن المتغيرات غير المتوقعة وغير المسبوقة ايضا، وفى ذلك لعلنا لم ننس ما تعرضنا له فى يناير منذ أربعة اعوام (٢٠١٨) حيث فوجئنا بظاهرة لم تحدث على الاطلاق من قبل، حيث هبت علينا موجة شديدة الحرارة فى عز الشتاء، وهو ما لم يكن متوقعا على الاطلاق، بل يتناقض مع كل المألوف والمعروف عن جو الشتاء عندنا، ولم يحدث على الاطلاق ان ارتفعت درجة الحرارة فى يناير لتصل الى (٣٢) درجة مئوية فى القاهرة. ولكنها حدثت فى يناير من ذلك العام.


كما أعتقد كذلك اننا لم ننس ايضا الموجات القاسية من البرد القارس فى شتاء الأعوام الماضية وما قبلها، وايضا الموجات شديدة الحرارة التى داهمتنا فى الصيف الماضى وما قبله.


وفى ذات السياق كانت هناك متغيرات جسيمة طرأت على الطقس والمناخ فى منطقتنا وبقية العالم، سواء بالنسبة للأمطار والفيضانات والحرائق والاحترار الشديد والتصحر وغيرها وغيرها من الظواهر غير المعتادة، مما فسرة العلماء والخبراء بتغير جسيم وحاد حدث للمناخ فى الكرة الأرضية كلها، وأكدوا وجود خطر كبير يحيط بعموم وجموع البشر سكان الكرة الأرضية نتيجة لذلك.


العلماء والخبراء
وما يجب أن يشد انتباهنا بقوة هو ما أكده هؤلاء العلماء والخبراء، بأن الخطر الأكبر والأعظم يتركز فى منطقة الشمال الإفريقي، وقارة إفريقيا والشرق الأوسط الذى نحن فيه، وحوض البحر المتوسط.. وأن القضية الأخطر ليست مجرد ارتفاع درجات الحرارة للأرض، بل ما يتبع ذلك بالضرورة من الارتفاع المتوقع لمنسوب المياه فى البحار والمحيطات، وهو ما يهدد مناطق عديدة فى العالم بالغرق تحت مياه المحيطات والبحار، ومنها للاسف منطقة الشمال الإفريقى والبحر المتوسط.


وفى هذا علينا ان نتذكر التحذيرات التى صدرت خلال مؤتمر جلاسجو للمناخ العام الماضى (كوب ٢٦) فى اسكتلندا العام الماضى، على مرأى ومسمع منا ومن كل سكان العالم شرقا وغربا.. غنية وفقيرة.. وهو ما يجعل العالم يخطئ كثيرا إذا لم ينتبه الى الخطر المحدق به والمتربص بكل سكان الارض، إذا لم ننتبه إلى التغيرات الجسيمة التى طرأت على المناخ، وإذا ما غفلنا عن الاخطار الفظيعة والهائلة الناجمة عن ذلك.


فى ذلك علينا أن ندرك ان كوكب الأرض الذى نعيش عليه، قد اوشك ان يفقد صلاحيته للحياة البشرية، تحت وقع المتغيرات المناخية الحادة التى تجتاحه كله حاليا، وذلك نتيجة الكم الهائل من الملوثات والسموم التى يضخها البشر فى كل يوم وليلة، بل وفى كل ساعة، من خلال السلوكيات المعوجة للبشر سكان الأرض، الذين لا يتوقفون عن تدمير سبل الحياة المتاحة على الكوكب الذى يعيشون عليه.


كوارث متوقعة
وفى إطار الرؤية العلمية، وما تقوم به الدراسات التى خرجت الى الضوء مؤخرا فى هذا المجال، تجدر الاشارة الى ما وصلت إليه دراسات علماء البيئة وشئون المناخ، والمتغيرات الحيوية والتصحر، وايضا علماء وخبراء البحار والزراعة والرى والمياه، ورؤيتهم لهذه المتغيرات المناخية، التى طرأت على الكرة الأرضية فى السنوات الأخيرة، وما صاحبها من تأثير جسيم على الأمطار والحرارة والبرودة والتصحر والبحار والبشر ايضا.


ومن اللافت فى ذلك ان على رأس هذه التأثيرات ظاهرة التصحر وندرة أو شح الأمطار، وامتناعها عن السقوط فى أماكن كثيرة كانت معتادة على السقوط فيها مما أدى الى دخول هذه المناطق فى حزام التصحر، وخاصة فى إفريقيا شمالا وجنوبا ووسطا.


وهنا لابد من التركيز على رؤية العلماء بأن اسباب هذه الظاهرة تتركز فى زيادة نسبة تلوث الأرض وارتفاع حدة الاحتباس الحرارى خلال السنوات الماضية،....، يؤكد العلماء على ان ذلك قد أدى الى ارتفاع درجة حرارة الأرض، الذى أدى بدوره الى ارتفاع وزيادة ملحوظة ومرصودة فى ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة فى القطبين الشمالى والجنوبي، وهو ما أدى الى ارتفاع نسبى فى منسوب المياه فى المحيطات والبحار.
ويرى العلماء ان ذلك يهدد بكارثة عالمية نظرا لما يعنيه ذلك من غرق مساحات هائلة من الأرض، واختفاء اجزاء عديدة من دول كثيرة، بل يمكن ان تختفى دول بكاملها تحت مستوى البحار والمحيطات.


ويؤكدون ان هذا الخطر أصبح قائما بالفعل، وطبقا لأحدث الدراسات التى صدرت عن وكالة «ناسا» الأمريكية ومركز «ويليسون» بواشنطن، فإن اكثر المناطق تعرضا للغرق تحت ماء البحار ستكون فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط.


ويقولون ان هذا الخطر ستظهر اثاره تدريجيا، ولكنه متوقع وقائم بالفعل خلال السنوات القادمة، اذا لم تتم مواجهة فاعلة وحاسمة لهذا الخطر الذى يهدد العالم كله.
مسئولية من؟!
وفى ظل هذا الخطر الذى أصبح قائما ومتوقعا بالفعل خلال السنوات القادمة، إذا ما ظلت الممارسات المعوجة للبشر على ما هى عليه، واستمرت درجة التلوث البيئى والاحتباس الحرارى على الارتفاع، فإن الوضع سيكون بالغ الخطورة بالنسبة للعالم على وجه العموم، وبالنسبة إلينا فى منطقة الشمال الإفريقى وحوض البحر المتوسط والشرق الاوسط،....، وهو ما لا يجب السكوت عليه والانتظار حتى يقع.


وفى هذا لا يجب ولا يمكننا ان نتجاهل على الاطلاق أو نغض الطرف بأى حال من الأحوال، عن الحقيقة المؤكدة التى يعلمها القاصى والدانى من سكان هذا الكوكب البائس الذى نحيا عليه، والتى تقول بمسئولية الدول الصناعية الكبرى عن المأساة التى تعيشها الأرض الآن، من تلوث يكاد يفتك بها ويدمرها تدميرا، نتيجة ما كانت ومازالت تقوم به هذه الدول من استخدام كبير للمحروقات من المواد «الهيدروكربونية»، سواء الفحم أو البترول أوالمواد الكربونية الملوثة والمدمرة للبيئة، طوال ما يزيد على قرنين من الزمان منذ بدء الثورة الصناعية وحتى اليوم.
وعلى رأس هذه الدول الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والدول الاسكندنافية وروسيا، واضيفت إليها الصين والهند والبرازيل واستراليا واليابان ودول مجموعة العشرين،....، وهذه الدول تتحمل بالفعل الوزر الأكبر والنسبة العظمى من تلوث البيئة فى الكوكب كله، والتى تزيد على٨٠٪ من الملوثات لكوكب الأرض كله.
وهذه المسئولية يجب ان تتحملها هذه الدول الكبرى والغنية، التى تقوم حتى الآن بإحراق تريليونات الأطنان من الفحم والمحروقات الكربونية، وتضخ نسبة هائلة من الميثان وغاز ثانى أكسيد الكربون فى جو الكوكب، مما أدى ويؤدى إلى زيادة الاحتباس الحرارى وارتفاع نسبة التلوث فى المناخ، ورفع درجة حرارة الأرض، وزيادة نسبة ذوبان الجليد فى المحيطات المتجمدة فى القطبين الشمالى والجنوبي.. وارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات.. وهو ما يؤدى إلى غرق الأرض وفناء الدول واختفائها تحت سطح الماء.


الدول الكبرى
وهنا يجب ان نشير بوضوح الى الوعود المهمة التى كانت قد أعلنت الدول الكبرى التزامها بها، سواء فى مؤتمر باريس للمناخ عام (٢٠١٥) أو مؤتمر جلاسجو للمناخ العام الماضى.


وأكدت فيها انها ستقوم بتحمل تبعات مسئوليتها عن تلويث البيئة، وما يتعرض له العالم اليوم من اخطار نتيجة المتغيرات الحادة فى المناخ جراء هذا التلوث،....، ولكن للاسف ما انتهت هذه المؤتمرات حتى نسيت أو تناست هذه الدول تلك الوعود والالتزامات، وتجاهلت انها كانت قد تعهدت برصد مبلغ مائة مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية والإفريقية بالذات لمواجهة اخطار المناخ. وهو ما لم يتم الوفاء به حتى الآن.
كما كان هناك تعهد من هذه الدول بخفض استهلاكها للمواد الكربونية، ولكنها لم تفعل ايضا، وذلك هو ما يجب علاجه فى مؤتمر شرم الشيخ.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي