د. طارق عبد العزيز يكتب : فى معرض أيمن لطفى الاستيعادى أدهشتنا «الرحلة»

الفنان أيمن لطفى مع احد روسوماتة
الفنان أيمن لطفى مع احد روسوماتة

يقول الفنان الإيطالى ليوناردو دافنشى: «لتنمية فكر ناضج ادرس علم الفنون، ادرس فن العلوم، تعلّم كيف تبصر، أدرك أن كل شىء مرتبط بكل شىء آخر».. وإذا تأملنا الحياة من حولنا لوجدنا أنها لا تخلو من المناظر المؤثرة التى لا نستطيع تجاهلها بسهولة، مناظر ومشاهد ربما تمر على معظمنا كل يوم  لا ينتبه إليها الكثيرون فى تكوينها وألوانها وحركتها وإشعاعها الكهرومغناطيسى وهناك جانبٌ عميقٌ لا ترصده إلا أعين المبدعين وأصحاب الفكر الناضج..أعين تدرك وتؤكد على ريادة الفنون البصرية ودورها الهام فى صنع الكثير فى العمل الفنى .
اقرأ أيضاً| نشوة أحمد تكتب: تميمة العاشقات: اتصال الزمن وانقضاء المسافات في فضاء السرد

الفنان أيمن لطفى رغم دراسته وتعمقه فى دراسة اللغة العبرية وحصوله على ليسانس كلية الآداب، إلا أن موهبته فى مجال التصوير الفوتوغرافى بجانب مهارته التى اكتسبها فى فن الجرافيك الذى درسه باحترافية فى إنجلترا وألمانيا وأسبانيا.. كل هذه العناصر صنعت الفارق فى أعماله الفنية التى أظهرت مهارته فى فن التصوير الكهرومغناطيسى..،  وإذا نقبنا عن معانى التصوير الضوئى أو الفوتوغرافى سنجد أنه مرادف لفن الرسم القديم، فمن خلال عدسة الكاميرا يقوم المصور بإعادة تجسيد المشهد الذى أمامه بإسقاط مختلف ومنظور جديد مع توظيف معالج الضوء التوظيف الملائم.


هناك زوايا صحيحة يتفرد بها فنان دون غيره فى التقاط الصورة، ومن ثم معالجتها جرافيكيًّا وإدخال عليها بعض العناصر، ثم تأتى المرحلة الأخيرة وهى مرحلة الطباعة على الورق أو «الكانفاس» أو أى خامة أخرى.

وهذا ما جسده أيمن لطفى فى معرضه الأخير «الرحلة» الذى استضافته قاعة صلاح طاهر فى ساحة الأوبرا من خلال ما يقرب من 40 لوحة تعكس مشوار الفنان وأسلوبه المتفرد فى التصوير الضوئى والمعالجات الجرافيكية.

أدهشتنى أعمال الفنان فى معرضه الخاص.. فقد استطاع أن يقدم إنتاجًا متنوعًا من خلال أعمال خمسة معارض سابقة .. كان يشعر بالقلق من هذا العرض المتنوع كما ذكر لكاتب هذه السطور.. لذا أطلق عليه اسم «الرحلة» فى تعبير مجازى عن رحلته الفنية الخاصة.


ويعتمد أيمن فى أعماله على اللقطة التجريبية ثم يقوم بتوظيفها فى حكاية من حكاياته الخيالية، كما يظهر فى إحدى اللوحات التى تتوسط قاعة العرض، عندما تخيل إحدى الفتايات وهى تجدف وحيدة داخل مركب صغير مستخدمة شوكتين وسط أمواج البحر المتلاطمة.

ولسان حاله يتساءل: «انت ليه عايش فى حياتك وانت بتجدف بشوكة!؟» .. والرسالة التى يرمى إليها هنا .. أنك لن تتقدم خطوة فى حياتك وأنت تجدف بهذا الشكل .. عليك أن تتغير وتصارع الأمواج التى حولك من أجل الوصول لأهدافك وتحقيق طموحاتك.


وعلى جانب آخر هناك لوحة تجذب المشاهد حيث الألوان والمحتوى.. فتاة فى حركة رياضية كأنها تقوم بعمل تمرين ما فوق سطح يكسوه اللون الأحمر القريب الى اللون الوردى «الفوشية» وملمسه يقترب من أسطح الكواكب وربما سطح القمر.

وعلى يمين الفتاة كرة كبيرة ربما قصد الفنان بها أنها الحياة فهى مكونة من قصاصات ورقية مختلفة الألوان تعكس وتجسد هموم الحياة أو أنها قصاصات تلخص حياة الانسان بحلوها ومرها.. وقد كرر الفنان الكرة فى جهة أخرى على يسار الفتاة لخلق نوع من التوازن البصرى.

ومع تدقيق النظر فى الفتاة نجد فى ظهرها مفتاح صغير «زمبلك» إشارة منه أن هذه الفتاة تحتاج إلى جرعة من الشحن كى تعاود الاستمرار فى هذه الحياة المليئة بالصراعات والاختلافات .. السماء مضيئة باللون الفيروزى الذى يسبح بالمتلقى إلى عالم آخر غامض لا يبوح بأسراره، لكنه يصدر إليك القلق والحيرة من المجهول القادم.


لم تغب مصر عن وعى وإدراك الفنان فى هذا المعرض، فقد وجدتها فى أكثر من عمل .. الأحداث المختلفة.. الانكسارات والانتصارات المتلاحقة .. فى إحدى اللوحات وجدت مصر تقف شامخة تنظر بحدة وكأنها تقول: أنا مصر التى كتب عنها التاريخ فى بداياته وسأظل كما أنا لنهايته .. فلسفة أيمن لطفى كانت واضحة فى الأعمال التى تحدث فيها عن عظمة ومكانة مصر منذ بدء التاريخ ومرورًا بالمنعطفات الصعبة التى شكلت وجدان كل مصرى وحركت مشاعره ووطنيته.

وفى نهاية الرحلة أهمس فى أذن الفنان أيمن أن يعد لنا من الآن معرضًا فى مثل هذا الوقت من العام القادم ونحن نحتفل باليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر التى أرى من وجهة نظرى أن الفن التشكيلى خذلها ولم يقدم حتى الآن ما يليق بتلك الملحمة الكبرى.

وكلى أمل أن ينتفض الفنانون التشكيليون ونحن نقترب من الاحتفال باليوبيل الذهبى فى مختلف الاتجاهات .. فى قطاع الفنون التشكيلية وبالتحديد فى صالون الشباب والمعرض العام 2023، وفى المدارس والكليات الفنية المتخصصة ..  نريد أن نرى ملحمة تشكيلية تعكس لنا عظمة انتصار أكتوبر


الفنان أيمن لطفى حاصل على شهادة الزمالة فى الفوتوغرافيا التشكيلية من الجمعية البريطانية، ومن جمعية مالطا للمصورين المحترفين، وعضو فى الجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافى، ونقابة الفنانين التشكيليين، والجمعية الأمريكية للتصوير الفوتوغرافى.

وشغل وظيفة المدير الأقليمى للجمعية الأمريكية بالشرق الأوسط للتصوير الفوتوغرافى، وحصد طوال مشواره الفنى على العديد من الجوائز .. منها: جائزة الجمعية الأمريكية للتصوير الفوتغرافى 2006، وجائزة لجنة التحكيم فى صالون النيل 2007، والميدالية الذهبية كأحسن إضاءة فى بينالى الصين 2012، وكان أهمها جائزة الدولة التشجيعية فى الفنون فى مجال التصوير الضوئى 2016.