جلال عارف يكتب: هل تفعلها أوروبا.. للمرة الثالثة؟

جلال عارف
جلال عارف

بلغ التصعيد درجة خطيرة فى الحرب بين روسيا والغرب على أرض أوكرانيا. الحديث لم يعد ينقطع عن تهديدات باستخدام قنابل نووية صغيرة أو قنابل قذرة، وشحنات الأسلحة لميدان القتال تتضاعف وتزداد خطورة، ولا أفق يبدو- حتى الآن- لتفاوض يوقف الحرب التى لم يعد العالم قادرًا على دفع فواتيرها الباهظة.

ومع ذلك فإن الخطر الحقيقى لا يقف عند حدود أوكرانيا التى يتحكم فى الحرب الدائرة فيها قرار موسكو وواشنطن وحتى الآن ما زال الحرص على عدم الدخول فى مواجهة مباشرة هو الحاكم للقرار الروسى والأمريكي، ومازالت القيادات العسكرية العليا فى الدولتين تبقى على الاتصال بينها لمنع صدام كارثى قد يقع بالخطأ أو بالحماقة! ومازال السياسيون «رغم التصعيد»، يدركون أن مثل هذا الصدام يعنى النهاية. وقد رأينا فى موسكو- رغم القيود- تظاهرات تطلب السلام، ورأينا فى عز حملة الانتخابات الأمريكية الحالية أصواتا عديدة- من الحزبين- تشير إلى ضرورة بدء التفاوض لإنهاء الحرب.

لكن المحصلة حتى الآن أن الحرب مستمرة وأن التصعيد يتزايد. وفى آخر حلقات التصعيد تابعنا تحذيرًا روسيًا بنقل الحرب للفضاء واستهداف الاقمار الصناعية الأمريكية التى تستخدم للتدخل فى حرب أوكرانيا!.. ومع ذلك فإن الخطر الحقيقى لا يبدو هنا، وإنما فى مجمل التغيرات التى حدثت والتى تهدد- بالفعل- بأن تصدر أوروبا للعالم الحرب الثالثة بعد حربين عالميتين انطلقتا من القارة العجوز لتغيرا العالم فى القرن الماضى.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ونهاية الحرب الباردة، وكان المزاج العام يتجه نحو خفض التسلح. أما الآن فمزاج الحرب «أو المواجهة» يبدو هو السائد ولا تتأخر دول أوروبا عن اللحاق بأمريكا والصين وروسيا التى ضاعفت من ميزانيات التسليح بدرجات كبيرة وألمانيا التى كانت تكتفى بأنها القوة الاقتصادية الأساسية فى أوروبا تقول الآن إنها ستكون أيضا القوة العسكرية الأولى فى القارة العجوز. والدول التى كانت بعيدة عن حلف «الناتو»، مثل السويد وفنلندا فى طريقها لتكون قواعد لقوات حلف «الناتو» المسلحة نوويا على حدود روسيا. وصناعة السلاح تعيش أزهى أيامها!

- ويزداد الخطر حين يحدث ذلك فى ظل أزمة اقتصادية تعصف بأوروبا والعالم «حتى من قبل حرب أوكرانيا»، ومع ركود يتزايد، ومصانع معطلة، وبطالة تتزايد، وحركات احتجاج تتوسع، ومع يمين متطرف يزداد قوة مع هذه الأزمات، ولن تكون إيطاليا هى آخر دولة كبيرة فى أوروبا يصل للحكم فيها. وقد كانت هذه هى «الروشة» التى أوصلت أوروبا إلى حربين عالميتين، ولا أظن أن أحدًا يريد تجربتها للمرة الثالثة!

- عامل آخر يضاعف الخطر. كان استنزاف روسيا- ومازال- هو الهدف الأمريكى الرئيسى من حرب أوكرانيا. لكنها الآن تربط بينه وبين حربها المستقبلية مع الصين، وتفرض على أوروبا ذلك. والنتيجة ستكون أعباء اقتصادية فادحة لن تتحملها أوروبا، وستكون أيضًا العيش تحت رحمة منافسة أمريكية-  صينية ستطول وستزيد العبء على أوروبا المنهكة والتى تعيش على أكثر من برميل بارود يمكن أن ينفجر فى أى لحظة، وفى وجه الجميع.
الخطر الأكبر تحويل أوروبا كلها «وليست أوكرانيا فقط»، إلى قنبلة قابلة للانفجار فى أى وقت، بخطأ أو بحماقة، أو بقرار من المتصارعين الكبار. وبداية الطريق للنجاة أن تتحمل فرنسا وألمانيا مسئولية قيادة أوروبا لإيقاف التصعيد فى أوكرانيا، وأن تساعد روسيا على ذلك بكل الوسائل قبل أن تتحول أوروبا كلها إلى قنبلة تنفجر فى وجه الجميع.