خبير آثار: الجيوش في حياة الأمم هي سندها ومصدر أمنها

 د. على يحيي
د. على يحيي

تحتفل مصر والقوات المسلحة بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر عام 1973 ذلك النصر الذى قاتل المصريون من أجله ودفعوا أثماناً غالية من دمائهم الطاهرة ، ليستردوا جزءاً غالياً وعزيزاً من أرض الوطن .

 الباحث الأثرى والأكاديمي د. على يحيي يشير إلى أن الجيوش في حياة الأمم هي سندها ومصدر أمنها ، والسياج الذى يحميها في حربها وسلمها . ومنذ عصور ما قبل التاريخ والإنسان المصرى يتخذ كل الوسائل للدفاع عن نفسه في مواجهة الحيوانات الكاسرة ، والزواحف الضارة ، وكل الكائنات التي يمكن أن تصيبه بأذى .

وما استقر الإنسان بعدما عرف الزراعة وارتبط  بأرض وبمسكن  ، بدأت  فكرة تبادل المصالح المشتركة مع التجمعات السكانية المجاورة ، ومن ثم تتداخل خيوط الود مع خيوط العداء في نفس البشر ، كما هو الحال في كل زمان ومكان , ليبدأ الصراع الذى كان يتخذ أشكالاً عدة ، معبراً عن رغبة ملحة أحياناً لدى الإنسان للسيطرة والحصول علي السلطة والسلطان . 

ففي القرن 31 ق.م تم توحيد قطر مصر علي يد الملك " نعرمر " ( مينا ) ، وبدأت ملامح النظام الإدارى تتضح ، وأصبح علي رأس الدولة ملك تتبعه مجموعة من الأجهزة والإدارات . 

أدرك ملوك مصر منذ الوهلة الأولي أن من بين عوامل تحقيق الاستقرار الداخلي تأمين حدود البلاد ، حيث بدأ يظهر في الأفق بعض المتسللين علي حدود مصر الشرقية والغربية والجنوبية ، ومن هنا بدأت فكرة تكوين قوات حراسة وحاميات صغيرة لتأمين هذه الحدود ، ومواجهة  أيه محاولات للتسلل. 

وحول الجيش في مصر القديمة يوضح د. علي يحيي أن مصر القديمة لم تعرف في البدايات الأولي من تاريخها تكوين جيش نظامي موحد للدولة بأكملها ، وانما اكتفي حكام الأقاليم بتكوين فرق خاصة لهم ، كانت مدربة ومجهزة بالأسلحة والعتاد ، ليدافعوا عن أقاليمهم وخصوصاً تلك الواقعة علي حدود مصر ، وبدأت تظهر بواكير جيش نظامي في الاسرة الخامسة ، وأصبح الأمر أكثر وضوحاً منذ الأسرة السادسة ، وخصوصاً في عهد أشهر ملوكها ، الملك " ببي الأول " والذى في عهده قام البدو القاطنون علي حدود مصر الشرقية بإحدى غاراتهم علي الدلتا . ولما كانوا أكثر من ان تستطيع فرق المقاطعات الواقعة علي الحدود مواجهتهم ، فقد قرر " بيبي الأول " استدعاء جميع الفرق العسكرية لتعمل تحت إمرة أحد كبار رجال عهده وهو "وني " .

وهكذا خاض الجيش المصرى أول معركة حقيقية في هذه الفترة المبكرة نسبياً من تاريخ مصر القديم ، وكتب له فيها النصر علي سكان فلسطين .

وحول الجيش في الدولة الوسطي يقول د. علي: واذا ما انتقلنا إلي الدولة الوسطي ، فإننا نجد أيضاً أن كل حاكم إقليم كان له جيشه الصغير الذى يدافع به عن إقليمه ، ورغم أن الدولة الوسطي قد شهدت بعض الأحداث العسكرية ، إلا أن  أهمها تلك المعركة التي خاضها الملك " سنوسرت الثالث " ( أحد أشهر العسكريين في تاريخ مصر القديمة ) ضد بلاد النوبة ، وهي المعركة التي خلد ذكراها علي لوحة عند قلعة " سمنة " الواقعة جنوب الجندل الثاني .
ولك ان تتخيل معي عزيزى القارئ ما ذكره " سنوسرت الثالث " في لوحة "سمنة " وغيرها من النصوص التي تركها هناك أنه برئ من أى ابن يأتي من بعده ولا يحافظ علي حدود مصر عند الجندل الثاني .


الجيش في الدولة الانتقال الثاني :-
تمرمصر تاريخياً بعصر الانتقال الثاني ، وهو العصر الذى يلي سقوط الدولة الوسطي ، والذى ابتُليت البلاد فيه بالغزو من قبل " الهكسوس " ، وذاق فيه المصريون مرارة الاحتلال ، إلا أن المصريين وحدوا صفوفهم وتسلحوا بأقوى العتاد ، وصمموا علي دحر عدوهم اللدود وتحمل عبء النضال ثلاثة من حكام طيبة " الأقصر " ،هم سقنن رع " وابناه 
" كامس " و " أحمس " . 


ومات الأول في المعركة وهو يقود جيشه دفاعاً عن تراب مصر ، وحمل الراية من بعده ابنه "كامس " الذى حقق نصراً مؤزراً علي جيش علي جيش" الهكسوس " بالقرب من "الأشمونين" ويبدوا أنه سقط هو الآخر في إحدى المعارك ، ليحمل الراية من بعده شقيقه " أحمس " ، الذى استمر في مواجهة " الهكسوس " حيثما يوجدون ، حتي قضي الجيش المصرى علي بذرة " الهكسوس " تماماً ، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة ، وهكذا كُتب الخلود للملك " أحمس " الذى خلص مصر من هذه المحنة .

وللزوجة التي فقدت الزوج دور مهم حيث دعمت وقدمت الإبن الأكبر ففقد هو الآخر فما كان منها الا أنت تقدم الابن الاخر مما يدل علي ايمان ووطنية المرآه المصرية علي مر العصور ففي عصرنا الحالي رأينا نماذج من تلك المرآه التي قدمت أبنائها دافعاً عن هذا الوطن العزيز .  


الجيش في الدولة الحديثة :-
بدأت مصر فترة تاريخية جديدة ، هي الدولة الحديثة ، أو عصر الإمبراطورية ، وأصبحت " طيبة " عاصمة مصر والإمبراطورية ، وانطلقت منها الجيوش ، وأقيمت الحاميات والمعسكرات للجند في شرق البلاد وغربها وجنوبها ، وتم تنظيم الفرق والألوية والسرايا ، وازدهرت صناعة السلاح والمعدات الحربية ، وازداد الجندى المصرى خبرة ومهارة . 

وقد أصبجت ملامح الجيش المصرى واضحة ، فالسرايا والفرق محددة والعدة ، ويحمل كل منها اسم واحد الآلهة أو الملوك فهناك فرقة الرماة ، وفرقة المركبات ، وفرقة الأقواس التسعة ، وسرية " آمون "، وسرية " فرعون " ، وسرية " بهاء قرص الشمس " ، وهناك أيضاً حملة الأعلام . 

فعلي سبيل المثال سجل لنا التاريخ في الدولة الحديثة الكثير من المعارك التي خاضها الجيش المصرى ، وحقق فيها انتصارات باهرة ، ولعل من أشهر هذه المعارك ، معركة " مجدو " التي جرت أحداثها في عهد الملك "تحتمس الثالث " أشهر القادة العسكريين في مصر القديمة وهو أول من نظم الجيوش وقسمها الي قلب وجناحين ، وأول من درس ساحة القتال قبل أن يخوض المعركة ، وأول من نفذ الحرب الحرب الخاطفة المفاجئة ، لهذا قارنه بعض المؤرخين بالقائدين التاريخيين " الاسكندر الأكبر " ، و" نابليون بونابرت " . 

كذلك الملك " رمسيس الثاني " الذى أعد العدة لملاقاة جيش " الحيثين " ودامت فترة حكمه سبعة وستين عاما ، كانت من أكثر فترات الحكم قوة وازدهاراً.

الزناتى للمعلمين فى عيدهم: تشقون ظلام الجهل وتضيئوا شموع المعرفة