ميلاد طه.. أكرم الأعياد 

خاطر عبادة
خاطر عبادة

بميلاد محمد- صلى الله عليه وسلم- لاحت أنوار كونية عظيمة و إشراقات وسحائب خير ورحمة محملة بالعلم ليتنزل على قلب خير الناس وسيد الأصفياء.. كأن الأرض تتنفس من جديد الحياة لاستقبال فطرة السماء الطاهرة النقية والمحبة البيضاء، التى نزلت بالهداية التامة والشفاء لما فى الصدور.. الفطرة السوية التى يكتمل بها معنى الوجود والجمال.. نور وعلم لا تنقطع أسراره ولا ينفد مدده ولا يقتصر أثره على زمان مادام فينا كتاب الله وسنة المصطفى..الذى أرسله الله ليتم على الناس نعمة الدين وينير قلوبهم وعقولهم بنور العلم والهداية.

ميلاد طه أكرم الأعياد.. الذكرى العزيزة العطرة ومناسبة عظيمة تهل معها نسائم الفرحة والنور وخصوصية جميلة لدى كل مؤمن امتلء قلبه بالحب لرسول الله- فالكون كله احتفل بمولد خير الناس ومعلم البشرية الأول ونموذج الكمال الإنساني حين يتجسد النور ومكارم الأخلاق والرحمة فى هيئة بشرية - وفى هذا تكريم لكل الإنسانية.

وكل منا يعبر عن احتفاله وحبه فى هذه الذكرى الجميلة، أقلّ ما لدينا أنّ نعبره هو سرور القلب كيوم عيد أشرق فى القلب نور أو كيوم عظيم يشبه ليلة القدر المباركة التى أنزل فيها القرأن، أما الطريقة المثلى هى الحثّ على اقتران الحب بالأفعال والامتثال لأخلاق الرسول الكريم أولا، وما أحوجنا إلى ذلك.. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"..

رسول الله هو أعظم هدية للإنسانية، الرحمة المهداة للعالمين والسراج المنير.. ولأنه حبيب الله؛ فلأجله تنحل العقد وتقضى الحوائج وتتنزل الرحمات، وتم تكريم الإنسان وتغفر له الذنوب وتمت نعمة الدين..  {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}
 
كما يقول تعالى لنبيه الكريم (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون).. وقال تعالى عن نبيه (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).. وحب الرسول من حب الله-الحب الأزلى- الذى يضمن لك رضا الله ونزول الرحمات فى الدنيا والأخرة-  وهو الشفيع يوم الحساب.. وسر تكريمك أيها الإنسان 

جاء بالرحمة والتيسير وكان بالمؤمنين رؤوف رحيم (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).. أرضاه الله فى أمته فجعلهم ثلثا أهل الجنة 

"وإنك لعلى خلق عظيم".. فهو-صلى الله عليه وسلم- الصورة الكاملة للإنسان الذى عصمه الله من الخطأ.. فزكّاه الله فى عقله وخلقه وشكله أيضاً، وبه تمت مكارم الأخلاق والنور والعلم الذى أرسل به للناس.. فكانت أخلاقه "قرآنًا يمشى على الأرض".. وبذكر سيرته تزكى وتتعطر النفوس وتطهر وتنزل الرحمات.

ما أحوجنا إلى التأسى بأخلاق الرسول الكريم ونكون رحماء فيما بيننا.. إيمانا بقوله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".. فلا يمكن أن يحب الناس الشخص القاسى غليظ القلب إلا عن مصلحة ونفاق

وعندما اشتد أذى قومه، قال صلى الله عليه وسلم (رب اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون).. وكان من الممكن أن يترك قومه وهم يواجهون الهلاك والدمار مثل الأمم السابقة ويستبدلهم الله بقوم آخرين يؤمنون للنبى؛ لكن ما  أعظمها من رحمة وياله من خلق عظيم.. حين صبر على أذى صناديد الكفار الذين أعمت قلوبهم حب المادة والكبر؛ فهو يفترض أن من بينهم من يجهل الدين أو يتأثر بكلام المشركين ويخشى عذابهم.. ثم تحقق للنبى العظيم مراده ببناء الإنسان أولا وتأسيس رجال من الصحابة الكرام الذين بذلوا أرواحهم فى سبيل الدين .. هكذا يتم بناء الأمم بإنكار الذات وبذلها فى سبيل الله والإنسانية.

(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).. لم يكن ممكنا أن يستمر نهج الصراعات البدائية ويواصل العالم تخبطه فى طريق الجاهلية الأولى والصراعات من أجل المادة والطمع ويخضع لحكم الجبابرة وتحكمه العادات والأساطير وتقييد حرية الدين والعقيدة.. ولم يخلق الله هذا الكون عبثا؛ ولن يترك الدين ليضيع هباء و تتحكم فيه الأهواء كيفما تشاء..

كان لابد أن يكون هناك إتمام لقصة خلق آدم وخير ختام للمرسلين.. وتجديد العلاقة بين العباد وربهم سبحانه.. حتى يرضى عنهم ويدخلهم الجنة بفضله ويطهرهم من الذنوب والآثام ويزكيهم ويقربهم لعبادته

فالرسول هو الرحمة المهداة، والدين هو النجاة ومبادئ الناس ودستورهم.. الخير و الرحمة التى ارتضاها الله لعباده المؤمنين بعد تزكيتهم وتطهيرهم واختيارهم لعبادته و إنقاذهم من جهالة وضلال الأولين.. بل والفضل الكبير هو نصر الإسلام وحفظه ليكون منهجه فى صدور المؤمنين و شتى بلاد المسلمين وغيرها إلى يوم الدين.. ذلك الحب والاختيار هو هبة من الله لعباده المؤمنين ليكونوا أوليائه وتزكية لهم.

لا مغالاة فى الدين

ما يزعجنى كثيرا هو أن يقوم أشخاص عن جهل بتحويل المناسبة العظيمة إلى جدال اعتاد عليه بعض صغار العقول أو المتعصبين مثل تسليط الضوء على أكل الناس للحلوى.. أو هل يجوز أن نحتفل بتلك الذكرى سنويا أم لا.. ما الذى قد يضر الدين فى أن يتناول الناس طعاما فى أى مناسبة سواء فى رمضان أو الأعياد؟! وما المانع من الأناشيد  والمدائح التى يحبها الناس إذا لم يصاحبها احتفالات صاخبة أو تقاليد غريبة قد تحدث فى بعض الموالد، فى تلك الحالة فالأمر يتطلب التنبيه فقط بقدر السلوكيات الخاطئة التى تحتاج إلى توضيح، ولا يجب التضخيم من شأن تصرفات غريبة ومحدودة فى بلد ذو أغلبية سنية وسطية ومعتدلة، دعوا الناس تفرح وتسمع عن فضائل الرسول الكريم، بدلا من استغلال كل مناسبة لتحويلها إلى جدال وشقاق.

وكذلك جعلناكم أمة وسطا.. الوسط هو المثالية والاعتدال والكمال والطريقة الأقوم والأقرب للمنطق والعقل والأسهل للناس بدون مغالاة وتشدد أو إفراط و تفريط،  لكن الأقلية فقط هو من يميلون لإظهار التعصب عن جهل والمغالاة دون علم ظنّا منهم أن تلك هى الطريقة التى تقربّهم إلى الله أو تميّزهم عن باقى الناس دون أن يكون لهم دراية كاملة تؤهلهم للافتاء بأمور الدين، فضلاً عن أن هناك منهم من ينصب نفسه متحدثا بإسم المسلمين ويفتى فى شؤون دنياهم والسياسة- من على المنبر- دون أن يقرأوا شيئا فى السياسة.

ليس كل من صعد على المنبر مؤهل لإصدار فتوى، هناك مؤسسات بها رجال مختصون فى ذلك عندما نريد فتوى دينية نلجأ للمؤسسات الدينية وأهل العلم، وإذا أردنا أن نسأل عن أمور طبية سنلجأ للطبيب، أو أردنا معرفة شؤون السياسة سنسأل الخبراء والمثقفين، وهكذا..