مصر الجديدة:

العداء للغرب

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

سنوات طويلة منذ منتصف السبعينات ونحن نسمع جملة الغرب الفاسق.

الغرب الذي يريد أن يهدم قيمنا.

ترددت الكلمة في بعض المقالات، أو حتى في بعض خطب المساجد أو غيرها، ولم يكن الكاتب منا يعرف بانتشارها الكبير يوما بعد يوم، فهو لا يقرأ كل الصحف، ولا يصلي في كل المساجد، ولا يسمع كل الإذاعات. حتي المقهى كانت جلسته فيها مع أصحابه، وهم عادة أقرب إليه في الثقافة، وقد لا يدرون بما حولهم. قرَّبت السوشيال ميديا المسافات فظهرت هذه العبارة كثيرا، وتناولتها ألسنة شخصيات هامة في حياتنا، وصارت تصل إلى من لم يسمع وتتسع.

الحقيقة هي كانت متسعة من قبل، لكن لم تكن هناك سوشيال ميديا تقربها منا. صرت حين أراها من الشباب لا أندهش، فكثيرون ضحية هذا الفكر.

لكني أندهش حين أسمعها من شخص تعلم في الغرب نفسه، وحاز منه على شهادة عالية، وهو يحذر من الغرب الذي يريد أن يهدم قيمنا وأخلاقنا.

ألتفت خلفي وأتذكر بداية النهضة في العصر الحديث مع محمد علي باشا، الذي مال إلى فرنسا أكثر من ميله إلى إنجلترا، والذي بدأت معه البعثات ليعود المبعوثون يؤسسون في العمارة وفي الطب ونظام المدن والتعليم، ويستمر الأمر مع أبنائه فنعرف المسرح والسينما والصحافة والحياة النيابية وغير ذلك، تحت شعار مصر قطعة من أوربا، الذي مع الوقت صار يُقال في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي أن لندرة - لندن - وباريس مدينتان جميلتان مثل القاهرة!

الحديث طويل عن كيف حين يمَّمنا وجهنا إلى البحر المتوسط نهضت البلاد. لا يعني ذلك أننا لم نكن نعرف أن من بين الغرب دولا استعمارية تحتلنا وغيرنا ونقاومها. لكنا كنا نعرف ماذا نختار من هناك وماذا نقاوم .

بل ونحارب إذا لزم الأمر.

الغرب نفسه لم يسلم من منتقديه من مفكريه، لكن هذا لم يكن يعني لنا الابتعاد عن النهضة.

لم يكن ما عاد به أجدادنا من هناك بعد البعثات سببا في تخلفنا.

بل نهض بالبلاد من الصناعة إلى الفنون.

صراعنا مع الاحتلال لم يكن يعني التوقف عن التأثر بكل جميل من البناء إلى الغناء - الأوبرا مثلا - . كان يتم اجمال الأمر كله في أننا نطل على البحر المتوسط، ومن ثم لنا أن نستفيد مما وراءه.

وبالمناسبة نحن نطل على البحر المتوسط بألف كيلو متر.

يعني بأطول مسافة على الحدود. أين ذهب ماعدنا به من هناك ؟ تعرض لهجوم ضاري منذ ولينا وجهنا إلى الشرق فأخذنا الوهابية.

صار كل ما أخذناه من فنون من الغرب حراما، ومن الزيّ والعادات وحتي الطعام وإمساك الشوكة والسكين أو الملعقة صار حراما .

كثير جدا يمكن قوله .

وسؤالي إلى هؤلاء الذين يرون أن الغرب محطم لأخلاقنا وقيمنا، ألا يرون الشرق والدول العربية مصدر الوهابية، ترسل بعثاتها بكثافة إلى الغرب، وتنزع ثوب الوهابية، وتلحق بالتقدم في العالم؟ لن أزيد.