كرم جبر يكتب: ذكرى وفاة عبد الناصر

كرم جبر
كرم جبر

كان موته المُفاجئ صدمة للعالم كله، وقالت عنه - أنديرا غاندى رئيسة وزراء الهند: «إن التاريخ سيسجل للرئيس جمال عبد الناصر مساهمته الفريدة فى بعث الشعب العربى... إن الرئيس جمال عبد الناصر ستظل ذكراه خالدة فى كل مكان فى العالم حارب فيه الناس من أجل حريتهم، وذلك باعتباره قائداً عظيماً وسياسياً يتسم بالشجاعة والحكمة».

أسلم الرئيس عبد الناصر الروح فى الساعة السادسة والربع مساء يوم 28 سبتمبر 1970، وكان عمره 52 سنة و8 شهور و13 يوماً، ولم يكن يعانى من أمراض مستعصية يمكن أن تؤدى إلى الموت فى هذه السن المُبكرة، سوى السكر الذى أُصيب به بعد هزيمة يونيو ونجح الأطباء فى السيطرة عليه، بجانب تصلب الشرايين، وهى أمراض يتعايش معها من هم فى السبعين والثمانين.. ولكن الحقيقة هى أن مشاكل العروبة هى التى أودت بحياة عبد الناصر.

قبل وفاته بشهرين كان يعمل 16 ساعة فى اليوم، سافر إلى الرباط لحضور القمة العربية، ثم مر على الجزائر وزار طرابلس وبنغازى والخرطوم، ثم طار إلى موسكو وزار الخرطوم وليبيا مرة ثانية، وفى أثناء ذلك كان يتنقل بين القاهرة والإسكندرية وأسوان وجبهة القتال، ويقود حرب الاستنزاف. 

ورغم ذلك فقد اتهمته دول الصمود بالتفريط فى القضايا القومية، عندما قبل مبادرة روجرز قبل وفاته بقرابة شهر، وزادت آلامه وأوجاعه وأحزانه من المظاهرات التى خرجت ضده فى عواصم بعض الدول، فكيف يُتهم الزعيم الذى وهب حياته للعروبة وضحى من أجلها بأرواح ودماء شهدائه، بأنه يفرط فى قضايا العروبة؟، ولكنه لم يفقد إيمانه أبداً وظل مدافعا عنها حتى النفس الأخير.
أسلم عبد الناصر الروح وقلبه مُعلق بفلسطين وشعبها، وكان المشهد الأخير فى مطار القاهرة بعد أن ودع أمير الكويت، وقبله كل الزعماء العرب الذين حضروا القمة الطارئة لوقف مذبحة أيلول الأسود، وعاد إلى بيته وطلب كوب عصير، شربه ومات، تاركاً وراءه عشرات من علامات الاستفهام حول أسباب الوفاة.

صدمة الموت المفاجئ لعبد الناصر جعلت البعض لا يُصدق أبداً أن تقرير وفاة عبد الناصر يقول إنه تعرض لصدمة قلبية نتيجة تلف عضلة القلب مما أدى إلى وفاته.
الجانب الآخر: كان عبد الناصر رائعاً لأنه آمن بأن علماء مصر وأدباءها وفنانيها ومثقفيها، ملك لمصر وليس للملكية، وأن ذلك الرصيد الذهبى لو تم المساس به، فقدت البلاد طوق الحماية الناعم، الرابض فى ضميرها الوطنى، والحارس لوعى شعبها.

عبد الحليم حافظ وكمال الطويل ومحمد الموجى وصلاح جاهين ومبدعون شبان، ورغم الحرب الدافئة على قلب الرئيس بين حليم وأم كلثوم، إلا أن عبد الناصر جمع الاثنين تحت مظلته القوية، فى أعياد الثورة، فغنيا وأبدعا، وغنى وراءهما الشعب المصرى كله.