تساؤلات

عايز ورقتى

أحمد عباس
أحمد عباس

● خايف؟
هكذا كان السؤال باقتضاب شديد عندما تبرع صديقى باقتراح لعبة تأكل الوقت وتستهلك ماتبقى من طاقة لدى الحاضرين، بعدها يعود كل منا لبيته، أما الاجابة فكانت تقريبًا بالإجماع.. طبعًا خايف.
● خايف من إيه؟
بالطبع كان هذا السؤال التالى لكن هذه المرة الاجابة لن تكون شفهية، بل كتب كل واحد منا مخاوفه فى ورقة وأحسن طيها بحيث لاتُرى، جمع صديقى الوريقات الصغيرة ووضعها فى يده وأحكم عليها ومزجها مزجًا جيدًا، ثم طلب من كل منا أن يسحب ورقة ويقرأها دون أن يفصح عما قرأه.


اللعبة إلى هنا كانت تسير بشكل طريف، لكن ما جرى بعدما فتح كل واحد منا ورقته كان مثيرًا جدًا، طلب صديقى مدير اللعبة من جميعنا التعليق بملامحه فقط على ما وجده وإلى هنا أخذت اللعبة مجرى آخر، وقفت أراقب الوشوش بين واجم ومرتعد وبائس وخائف، وأحدهم ترقرقت الدموع فى عينيه.


فى المرحلة التالية للعبة طلب صديقى أن يطلب كل واحد منا طلبًا واحدًا ليس إلا، فقال الجميع فى نفس اللحظة: عايز ورقتي.
تحلو لى هذه الألعاب جدًا ذلك أنها تُخرج مالدينا من مشاعر دفينة نخبئها باستمرار، اللعبة التى اقترحها صديقنا قذفت من نفوسنا مخاوفنا ثم تقاسمتها بين الجميع ثم عبرت عنها وفى النهاية أعادت لكل واحد ورقته وأقنعته بأن ذلك فقط هو ما يستطيع تحمله.
أما أنا فلم أتوانْ فى لملمة الأوراق عقب مغادرة الأصدقاء وفتحها والتلصص على ما جاء فيها، لم أنشغل كثيرًا بأصل ماجاء فى كل ورقة سواء كانت مصروفات المدارس أو الخوف من المدام أو خسارة العمل أو ضيق الرزق أو ضياع الصحة أو فقد عزيز فى حالة مرضية ميئوس منها، ما شغلنى أكثر القاسم المشترك بين نحو عشرين ورقة، وهو الخوف من بكرة.


أفهم أن الظروف ضاغطة جدًا، وكل منا يحاول مُسايرتها وأعرف كم يستطيع الخوف تحجيم قلوبنا ونفوسنا وأرواحنا بل ويتغذى على ماتبقى من قدراتنا على المقاومة والثبات، واجهته مرات كثيرة ولست متأكدًا إن كنت نجحت أم لا وما معيار النجاح أصلًا، لكن الأكيد أننى عبرته بسلام ذلك أننى لازلت حيًا وأكتب، وأنت أيضًا يبدو أنك عبرت أشياء كثيرة ضمنت لك الاستمرار وأتت بك الآن إلى هنا.
لا أعرف كم مرة واجهت أشياء كهذه لكن أفهم جيدًا أننى لم أنجح أبدًا فى القيام بهذا بمفردي، فى كل مرة كنت أفعلها بفضل آخرين كانوا دائمًا فى الجوار، صفهم كما تشاء أصدقاء ربما معارف ممكن أقارب أشقاء أهل عائلة وربما فاعلو خير وعابرو سبيل، المهم أننى بت أثق تمامًا بأننا لا نجتاز الأشياء بفضل شطارتنا أو اجتهادنا أو قوتنا نحن بل بفضل وجود هؤلاء.


الأزمة الحقيقية التى تدفعنا لهذا الشعور المُخيف القاتل فى رأيى تحدث عندما نتخلى عن بعضنا، ويظن كل منا أنه يستطيع بمفرده، أو يستحق بلاشريك أو يعرف دون غيره أو أنه الأفضل على الاطلاق، الازمة تقع لما نتفرق أو نظن وبعض الظن إثم أننا أصحاب فضل أو قدرة، نحن بلا بعضنا أجساد بلا قوة، وعدد بلا قدرة، والآن بلا بُكرة.


ولما كنت من هؤلاء المُولعين بالتفاصيل وقراءة ما يُدون على أبواب الثلاجات وأبواب الحمامات وما يوضع تحت زجاج المكاتب، قرأت مرة عبارة لست أظننى أنساها بسهولة، كانت قبل نحو عشرين عامًا كتبت فيها صاحبتها بخط بديع على لسان شاعر جاهلى لست أعرفه:
تأبى الرماح إذا تجمعت كسرًا.. وإذا تفرقت تكسرت أحادًا.