يوميات الاخبار

رغيف وحتة جبنة !

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

من يريد ان يعرف ما تاثير وجود حجر رشيد فى بريطانيا فأنا أدعوه لكى يقف فى طابور طويل يمتد امام المتحف البريطانى

اسمحو لى أن أتحدث معكم عن شىء أحبه :الجبنة .. نعم الجبنة أنا من عشاقها بكافة أشكالها وأنواعها حتى الجبنة «الريكفورت» التى هى فى النهاية عبارة عن جبنة أصابها العفن ، ولكن ليس أى عفن.. وتمثل الجبنة البيضاء عندى أفضل أكلة تهفو إليها نفسى واستمتع بها ، وتريح معدتى ،شريطة ألا تكون مصنعة من لبن بودرة ،مع رغيف بلدى ، وعدد من أعواد الجرجير ، مع طبق من شرائح الطماطم والخيار ، بل وأشهى من أى مائدة عامرة باللحوم ، ولا مانع من كمية من زيت الزيتون وقليل من الزعتر حتى تكتمل المتعة والفائدة . وفى الصيف انتقى لنفسك بطيخة غير ملوثة بالكيماويات ، وقطعها شرائح واتركها لتبرد فى الثلاجة، وكافىء نفسك بأكلة هنية من الجبنة البيضاء مع البطيخ .. وأنا صغير فى قريتى الوادعة على ترعة العطف ( كفر ميت سراج مركز قويسنا) لم اكن أعرف  الا الجبنة القريش، ولم يكن هناك عمار بينى وبين الجبنة « المِش « كانت تعافها نفسى، وأرى فيها صورة متكاملة المعالم لقسوة الحياة على كل من يأكلها، ترسخت الصورة فى ذهنى وأنا أرى الجبنة المش ضيف دائم على مائدة كل الفلاحين الذين يخرجون الى الغيط صباح كل يوم ولا يعودون الا مع آذان المغرب ، لابد لكل منهم من المنديل المحلاوى ، ينعقد حول رغيف دُرة ناشف ، وفى الوسط منه تدس الزوجة قطعة جبنة مش ، وفحل بصل ، حتى اذا حان وقت « القيالة « ينتحى كل فلاح وأولاده تحت شجرة يستظلون بظلها وقت الهجير عند اشتداد حرارة الشمس ، ويتناولون طعام الغداء مع بعض من أعواد السريس او الجُعضيض أو أية خضرة للتخفيف من أثر الجبنة المش الحار على المعدة ، واذا تسربت دودة من بين الجبنة فلا تلتفت لها وأكمل طعامك كأنك لم تر شيئا، لأن «دود المش منه فيه» ومع شربات هنيئة من طلمبة مياه عرقها طيب تكتمل النعمة، ويخلد الفلاح وأولاده للنوم العميق مع نسمات رطبة وسط هذا الهجير حتى آذان العصر.
فى البداية كانت الجبنة عندى نوعا واحدا هى الجبنة القريش التى كانت تصنعها أمى فى حصيرة خاصة بها، وكان هناك شخص يأتى كل أسبوع يطوف بشوارع قريتنا يصنع الحصير، يدق عمودان على مسافة تعادل طول أعواد النبات الذى تصنع منه ، ثم باستخدام قطعتى عظم يبدأ فى نظم الأعواد باستخدام حركة عكسية للعظمتين اللتين يتم ربطهما بالدوبارة، حتى اذا انتهت كان تضع ربة البيت اللبن المتخثر فى الحصيرة وترفعها على الجدار لفترة معينة حتى يتخلص اللبن من الماء ويعطى أطيب جبنة وخاصة اذا جاءت من لبن منحته البهيمة فى وقت البرسيم،  ثم تعرفت على نوع آخر اشتريته لأول مرة وأنا طفل من بقالة قريتى كانوا يسمونه جبنة «حلومى» ، وعندما انتقلت الأسرة للمدينة بدأت أعرف أنواعاً جديدة لم أكن أسمع بها من قبل مثل الجبنة الرومى (شغلنى الإسم كثيراً) الجبنة الدمياطى وبدأت أتعرف على أنواع جديدة ، وأصبحت أحرص عندما أزور أى بلد على مستوى العالم أن أتعرف على أنواع الجبنة التى يفضلونها ، سعدت كثيراً عندما عرفت أن الجبنة الدمياطى علامة تجارية عالمية ، لم تأت من فراغ ولكن للأسف أصبحت أسمع عن الجبنة التى تصنع من منتجات صناعية ، وزيوت نباتية ، وكلها تقضى على الصحة وعلى سمعة صناعتنا العريقة.. تعمق حبى للجبنة مع اخواتنا السوريين الذين استقروا فى مصر ، وتعرفت على الجبنة النابولسية والعكاوى ، والحلوم عشرات بل مئات الأنواع : هذا للحلويات ، وذلك للمعجنات ، والثالث للقلى ، عرف أصدقائى وأقربائى مدى حبى للجبنة ، فأصبحوا يهادوننى بها بدلا من التورتة.
للأمانة أنا حزين لأن أسعار الجبنة أصبحت نار ، رغم أننا كنا نعبر عن بساطة الأكلة بأن المحبين يستطيعون أن يعيشوا مع بعضهم البعض راضيين قانعين حتى لو ب «رغيف وحتة جبنة» ولكن للأسف حتة الجبنة أصبحت تكلف عشرات الجنيهات، وأصبحت عزيزة، وأصبحت عزيزة وسلكت نفس الطريق الذى سلكه العدس الذى هاجر مائدة الفقراء واستقر على مائدة الميسورين .
الجبنة صناعة واقتصاد ضخم يجب أن نلتفت إليه ونرعاه ، بسبب الجبنة خاضت إيطاليا معركة قضائية شرسة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ، ووصلت بالقضية الى محكمة العدل الأوروبية لمنع تصديرنوع من أنواع الجبنة الإيطالى اسمه « البارميجانو» كان يتم تزويره وتقليده فى أمريكا ، ولأن ألمانيا سلكت نفس المسلك وأطلقت عليه هى الأخرى اسم « بارميزيان « كنوع من انواع التمويه .. سوف تلتمس لإيطاليا العذر عندما تعرف  أن حجم تجارة الجبنة الإيطالى المزورة فى أمريكا يقدر ب 40 مليار يورو ..
تستحق بدل المعركة عدة معارك .!
سحر حجر رشيد
منذ أن تخصصت صحفياً كمحرر فى الشأن الثقافى وأنا أكتب تحقيقات صحفية نارية من آن الى آخر تطالب بعودة الآثار المصرية الموجودة فى متاحف عالمية، وأتذكر أن الكاتب الراحل الكبير أنيس منصور قد كتب مامعناه أنه غير متحمس لهذه المطالبات ، ويرى أن الغرب يحتفى بآثارنا أفضل منا وأن وجودها هناك أفضل دعاية لمصر، كما أن هناك إدارة إسمها إدارة الآثار المستردة، دورها كما يظهر من اسمها متابعة استرداد الآثار التى تم تهريبها من مصر بطرق غير مشروعة .. كثيرون قد لا يعرفون أن تجارة الآثار كانت شرعية ، بل وكانت هناك إدارة اسمها إدارة تصدير الآثار ، بل كانت المومياوات الفرعونية تباع علنا ، وكان بعض مهاويس الحضارة الفرعونية وغموضها ، يقومون بطحن المومياء ، واستخدامها كمقوى للجسم ، وأحيانا كمنشط جنسى !! نعم لا تستغرب.. وكان هناك قانون اسمه قانون القسمة يتيح للبعثات الأثرية ان تقتسم ما تستخرجه مع الحكومة المصرية كما ترى وحسب تقديرها ، واترك لخيالك ان تتصور ماذا يمكن أن يتم فى أمر كهذا.. ربما ليس هناك جديد فيما ذكرت، أغلب العاملين فى حقل الآثار يعرفون ذلك ، ود. زاهى حواس عالم الآثار الأشهر ، لا يكف ، منذ أن كان أمينا عاما للمجلس الأعلى للآثار ، فوزيرا للآثار ، فمحاضرا ، عن إطلاق نداءات ترقى الى مرحلة الإنذارات بضرورة عودة القطع الفريدة التى تمثل درة الآثار المصرية ، والموجودة فى شتى دول العالم ، يتباهون بها ، ويجنون من وراء وجودها فى بلادهم المليارات من الدولارات ، ونحن لا شىء ، وعندما رفضت ، اقترح استعارتها  لمدة 3 شهور مع افتتاح المتحف المصرى الكبير ، وقوبل هذا ايضا بالرفض ، القطع التى لا تقل أهميتها عن قناع توت عنخ آمون هى : رأس نفرتيتى ، وحجر رشد الذى يحتفل العالم هذه الأيام ب200 سنة على اكتشافه ، الذى قاد شامبليون لفك شفرة اللغة المصرية القديمة ، واماطة اللثام عن حضارة لازالت تبهر الإنسانية حتى اليوم ، والزودياك ( القبة السماوية ) وتمثال حم ايونو مهندس بناء الهرم الأكبر ، هناك مبررات شرعية وقانونية قدمها زاهى ، من يريد ان يعرف ما تاثير وجود حجر رشيد فى بريطانيا فأنا أدعوه لكى يقف فى طابور طويل يمتد امام المتحف البريطانى لكى يأتى عليه الدور ويدخل القاعة المعروض فيها الحجر، ويرى حجم الزحام المقنن، والضوابط الصارمة التى تتبع، والأهم أدعوه لكى يرى كيف استثمروا فى حجر رشيد (الذى نقشه جدى وجد سعادتك) بابتكار وتصنيع كل ما يخطر فى بالك من هدايا قائمة على استغلال  «تيمة» الحجر أو النقوش الفرعونية التى عليه من تى شيرتات للجنسين، و«مجات» على صور النقش مطبوعة وبارزة، وشنط أطفال بأحجام مختلفة، وأقلام رصاص وجاف، أنت أمام ملايين الجنيهات الإسترلينى التى تتدفق على الخزينة البريطانية، من عائدات أثر مصرى خالص .. أكرر لا جديد لا فى كلامى ولا فى نداءات عالمنا الأشهر زاهى حواس ، ربما الجديد هو ما تسعى إليه الدكتورة مونيكا حنا الأستاذه الجامعية التى اطلقت حملة لجمع توقيعات مصريين (وتحديدا من أهل رشيد نفسها) تطالب باستعادة حجر رشيد، بحيث يكون الأمر مطلباً شعبيا، وليس مطلب نخبة، الأسس التى تستند لها الدكتورة مونيكا لها وجاهتها ، فناهيك عن المسوغات الكثيرة ، حسبما فهمت ، هى تقول ببساطة أن المستعمر الفرنسى الذى اكتشف الحجر تنازل عنه للمستعمر الإنجليزى ، دون الرجوع الى الدولة العثمانية التى كانت مصر ولاية تابعة لها ، أو دون الرجوع للمصريين انفسهم .. ومن هنا فاساس بقائه هناك غير قانونى لأنه خرج بطريقة غير قانونية .!
الدنيا تغيرت ، ليس فى مصر وحدها ، وما كان بالأمس مستحيلا أصبح اليوم يتم مناقشته ، بل ويتحقق ، وهناك جماعات ضغط فى البلاد التى فيها الآثار المصرية ، تؤيد عودتها الى مصر ، ورغم ما تحظى به تلك الآثار من رعاية تفوق التخيل ، فهذا ليس مبررا للسكوت على بقائها خارج مصر ، فالفقر لم يكن يوما مبررا لأن تقوم أسرة فقيرة بالاستغناء عن أحد أطفالها لكى ترعاه وتتبناه أسرة غنية ، تحت دعاوى لأن حضن الأم الغنية أحن من حض الأم الفقيرة .
ليس دفاعاً عن التوك توك
ماهى مشكلتك مع التوكتوك ؟
شكله ؟ أم سلوكيات من يقودونه ؟ أم لأن سمعته أصبحت دون المستوى وأصبح طرفا أصيلا كأداة فى كثير من الجرائم فى الآونة الأخيرة ؟
أنا شخصياً أحد من نبهوا مبكراً الى خطورة التوكتوك، والى السلوكيات الخطرة المرتبطة بمن يقودونه، وتعمدهم السير عكس الاتجاه، ومسئوليتهم عن انهيار المنظومة المرورية فى الشارع المصرى، إضافة الى مسئولية التوكتوك عن انهيار الكثير من الحرف والصناعات فى مصر لهجرة كل الصبية لتلك الحرف واستسهال عائد التوكتوك اليومى، وارتبط ذلك بتفشى تعاطى المخدرات وارتكاب الجرائم .
الحكومة تبنت مشروعاً لتخريد التوكتوك واستبداله بوسيلة آخرى أكثر حضارية ، سيارة كهربائية أو « تمناية « أو أيا كان المسمى .. السؤال هنا : ما هو التغيير الإيجابى الذى يمكن ان ننتظره اذا كان من كانوا يقودون التوكتوك هم أنفسهم الذين سيقودون الوسيلة الجديدة ، وماذا ننتظر من السوقة والدهماء اذا سكنوا القصور؟ .. هل ستتغيرسلوكياتهم بصورة إيجابية ؟ ؟بمعنى آخر هل ننتظر أن تتغير أخلاق سائقى التوكتوك فجأة الى الأفضل بعد أن يقودوا الوسيلة الجديدة التى سترث التوكتوك ؟!
انا لست ضد المشروع بالتأكيد ، ولكن لابد من صرامة وضوابط مع من يقود الوسيلة الجديدة حتى لا ينطبق علينا مقولة «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا