«خدوهم دار أيتام»l جحود أم .. تخلت عن أطفالها الثلاثة بعد طلاقها

الأطفال الثلاثة
الأطفال الثلاثة

 كتب - أيمن عبد الهادي 

مشهد يقطع القلب؛ رجال المباحث يلحون على الأم أن تأخذ بناتها الثلاثة إلى حضنها وتشعر بالندم لأنها تركت صغارها الشارع بلا مأوى أو طعام، أن تستعيد ضميرها ودورها كأم، أن تستجيب ويحن قلبها الذي هو أقسى من الحجارة لبكاء الصغيرات الثلاثة وهن يتعلقن بها يصرخن قائلات: «متسيبناش ياماما»، لكن قلب الأم الذي تحجر يصرخ في وجوه البريئات الثلاث؛ «معنديش مكان ليكم عندي روحوا لابوكم في الإسماعيلية»!

هكذا كان المشهد يلخص المأساة بكل تفاصيلها المبكية، لكن لا تزال في القصة تفاصيل أكثر رعبًا وحزنًا.

إن ماتت مشاعر الأمومة مات كل شيء.

يعيش دائمًا الأب والأم من أجل الأبناء منذ لحظة وجودهم بالحياة، ويكون دائمًا الأبناء نقطة تحول في حياة الأبوين حتى وإن حدث طلاق، فمن المفترض أن يظل كلاهما يقدم التضحيات من أجل أن يعيش الأطفال في سلام وأمان، وأن يكونوا أسوياء لا تؤثر في شخصيتهم العيش مع أحد الأبوين.

وكثيرًا ما نسمع عن الأم التي تقاتل وتكافح من أجل أبنائها حتى وإن تنازل الأب لكننا اليوم نسمع أكثر عن الأمهات اللائي تجردن من كل معاني المحبة والقيم، بل ويتجردن من معاني الإنسانية بحد ذاتها، فالأمومة أسمى معاني الإنسانية، ولكن في قضية اليوم نرى أمًا تخلت عن كل معاني الأمومة وصنعت لنفسها أسبابًا من أجل أن تتخلى عن أطفالها الـ 3 وتطلب إيداعهم في دار رعاية وذلك بعدما تركتهم لـ الشارع ولم تبحت عنهم لمدة 6 ساعات، وكأن الرحمة قد انعمدت والإنسانية قد غابت عنها، ولا يعلم الأطفال إلى أي مصير يذهبون.

البداية كانت بلاغا من الأهالي على صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بمحافظة بورسعيد بالعثور على 3 صغيرات في إحدى الحدائق العامة بحي الضواحي دون مأوى، ومعرضين للخطر، وغير معروف أسرتهن، ويتحدثن أن والدهن ووالدتهن تركاهن وذهبا إلى محافظة الإسماعيلية، وهن لا يعرفن إلى أين يذهبن.

صور الأطفال الثلاثة التي جرى نشرها نالت تعاطفًا كبيرًا بين رواد موقع التواصل الاجتماعي، وهجومًا كبيرًا على الأم التي لم تكن معروفة حتى هذا الوقت، وكذلك غضبًا شديدًا من الأب الذي لا يعرفه أصحاب الحسابات الشخصية الذين تأثروا بمشهد الأطفال، الذين كانوا يشعرون باحساس آخر، بالرغم من صغر أعمارهن إلا أنهم باتوا من المقيمين بالشارع بلا أم وأب.

ولم يكن تواجد الأطفال الثلاثة بالشارع هو الأبرز بل كان على أجسادهن آثار ضرب وتعدي، وبات الأمر محل تساؤل؛ من ألقى بهن في الشارع؟ من تركهن في الحديقة وذهب، ومن أحدث بهن الإصابات، وكيف يتم التصرف في هذا الأمر، الذي ظل حديث الرأي العام بمحافظة بورسعيد لساعات؟!

فريق التدخل السريع

تحرك فريق من التدخل السريع التابع لوزارة التضامن الاجتماعي إلى حيث تم العثور على الأطفال الـ 3، وبالفعل وجدوا آثار ضرب وتعدي على أجسادهن وفي أماكن متفرقة من الجسد، ولم يعرفوا لهن أبا أو أم، ولم يكن هناك وقتها سببًا واضحًا لتواجدهن بالشارع، إلا أنهم قرروا ألا يتركوهن وأن يذهبوا إلى أقرب قسم شرطة لإتخاذ الإجراءات القانونية، والتي وجب استكمالها قبل دخول الرعاية نتيجة الإصابات التي لحقت بالأطفال.

وداخل قسم شرطة الضواحي التابع لمديرية أمن بورسعيد، استقبل الضباط وكل من في القسم الأطفال بالترحاب وذلك حتى يشعروهن أنهن في أمان، وتمكنوا من معرفة مكان الأم في محافظة بورسعيد، وتم الوصول إليها، إلا أنها فاجأتهم بقولها؛ أنهن من تركن المنزل وذهبن للحديقة وهي لا تعرف الأسباب، ولكن يظل السؤال، وإن كانت الاجابة غير مقنعة، وسألها الضباط؛ لماذا لم تتحركي عندما تأخر أولادك؟!،وهل لم تدر بكل هذه المنشورات والاستغاثات على فيس بوك؟، والأهم لماذا لم تبحثي عنهم طوال هذه الفترة؟، وما سر العلامات المتواجدة في أجسادهن؟، كلها اسئلة بدت غامضة ولكن لم يستمر الغموض طويلا؛ وكانت المفاجأة أن الأم هي من تركتهن، وتطالب مسئولي فريق التدخل السريع بتوفير إقامة لهم في دار لرعاية الأطفال بلا مأوى، وتوضح لهم أن الأسباب أنها انفصلت عن والدهن وتركها وعاد إلى الإسماعيلية، واشترطت أسرتها لعودتها للمنزل ألا يكون معها أبناء، في تخلي واضح عن الـ 3 أطفال، والتنازل عن حضانتهن.

قرار النيابة

في هذه اللحظات لم يكن فريق التدخل السريع يستطيع اتخاذ القرار بإيداع الأطفال الثلاثة في دار رعاية وذلك بسبب آثار الضرب التي تستلزم تحرير محضر إثبات، والعرض على النيابة العامة، والتي تقرر بدورها الإيداع في دار الرعاية.

قام ضباط مباحث الضواحي بتحرير محضر بالواقعة، وتسليم الأطفال لأمهن والحصول على تعهد برعايتهن لحين قرار النيابة العامة، واستكمال إجراءات التسكين في دار الرعاية، الذي من المؤكد أن يكون أفضل لهن من الضرب وآثاره الواضحة على اجسادهن، وكذلك أفضل من الشارع أوحتى إقامة الصغيرات الثلاث مع الأم التي تخلت عن فلذات أكبادها.

وينتظر فريق التدخل السريع بمحافظة بورسعيد قرار نيابة الطفل، حتى يحددوا مكان الإقامة المجاني المناسب لـلأطفال أصحاب الـ 4 و 5 و 6 سنوات، يحصلن به على إقامة آمنة وعلاج مجاني وطعام وشراب صحي ووسائل ترفيه متنوعة، وأمهات بديلة، إلا أن الأطفال الثلاثة من المؤكد أنهن سوف يظل خالدًا في ذاكرتهن تخلي أمهن عنهن وتربيتهن في دار الأطفال بلا مأوى، وسوف يأتي اليوم ليعرفن أنهن كن ضحية لأم تخلت عنهن وأب تركهن لمواجهة الدنيا بمفردهن.

أقرأ أيضا l دراسة تحذر من إدمان استخدام الهواتف للأطفال