د. علا العجيزي يكتب: شامبليون.. العبقري المصري!

د. علا العجيزى يكتب : شامبليون.. العبقرى المصرى!
د. علا العجيزى يكتب : شامبليون.. العبقرى المصرى!

هذا الكتاب العظيم عن قواعد اللغة المصرية لم يترك شيئاً لم يتناوله فقد دقق فى القواعد وقارن العلامات الهيروغليفية بالعلامات المماثلة فى الخط الهيراطيقى والخط الديموطيقى، وشرح كيفية اختصارها

ولد شامبليون فى مدينة فيجاك بفرنسا فى عام (١٧٩٠) وقد أظهر شغفه لدراسة الآثار منذ سن ال١٤ عام، ولذا تعلم كثير من اللغات المعروفة بالمنطقة، كاللغة العربية والعبرية واللغة القبطية كما كان يعرف اليونانية القديمة واللاتينية.


فى السن التاسعة عشر قام بالتدريس التاريخ فى مدرسة مدينة جرونوبل، كما قام أيضا بتدريس مادة التاريخ فى الجامعة بالمدينة نفسها عندما كان فى ١٩ من عمره  وذلك حتى بلغ سن الثانية والعشرين.  (١٨١٢-١٨٢١). 


من هنا بدأ اهتمامه بحجر رشيد وما يحتويه من نصوص بخطين من اللغة المصرية وهما الهيروغليفية (الخط المقدس) والديموطيقية (الخط الشعبى) ثم اللغة اليونانية.
وكان بين يديه عددا لا يستهان به من النصوص المصرية القديمة التى نقلها من على ما وجده من آثار كانت قد نقلت إلى أوروبا كالمسلات كما سافر الى إيطاليا لزيارة متحف مدينة تورين ونقل كل ما وجده من نصوص هيروغليفية فى المتحف. 


فى عام ١٨١٤ صدر اول كتاب له بعنوان «مصر تحت حكم الفراعنة» وقد جمع فى هذا الكتاب – قبل تفسيره لنصوص حجر رشيد – أسماء ما يقرب من ٢٠٠ اسم لمدن مصرية و٣٦ اسم إقليم وأسماء الواحات والمناطق خارج الوادي. وكان قد بدأ آنذاك التعرف على الفارق بين الخطوط المصرية المختلفة: الهيروغليفية والهيراطيقة المختصرة عن الهيروغليفية والديموطيقية.
أما عن دراسته لحجر رشيد، فقد استعان بأعمال من سبقوه فى هذا المجال مثل الأنبا بارثليمى Barthelemy  والعالم البريطانى توماس ينج  Thomas Young . إلا انه تميز عنهم فى الوصول إلى اكتشاف مهم فى النظام الذى اتبعته الكتابة الهيروغليفية وهو: 


ان العلامات الهيروغليفية ليست فقط علامات صوتية أحادية الصوت ولكن بعضها صوتى والبعض الآخر تصويرى.
أن أسماء الملوك المصريين القدماء كتبت بنظام مختلف عن أسماء ملوك اليونانيين والرومان  أما اسماء ملوك المصريين تكتب بعلامات تصويرية متعددة الأصوات وعلامات صوتيه، بينما أسماء الملوك اليونانيين والرومان فتكتب بعلامات أحادية الصوت أى أبجدية.

آن نطق الصوت الأول من العلامة قد يدل على نطق الكلمة، وهو النظام الذى يعرف بالAcrophony 
فى الثانى عشر من شهر سبتمبر١٨٢٢ كتب شامبليون خطابه الشير للسيد داسيه Dacier  الذى كان دائم التشجيع له، وأعلن فى الخطاب فك رموز الخط الهيرغليفى بنجاح وفى ال ١٧ من هذا الشهر قرأ هذا الخطاب أمام الأكاديمية الملكية للنقوش والآداب وهو التاريخ الذى أعلن فيه رسمياً فك رموز لغة السكان القدماء  لوادى النيل. وفى عام ١٨٢٤ صدر كتابه عن آخر ما توصل له عن الخط الهيروغليفى 

Précis du système Hiéroglyphique والذى يظهر فيه أن شامبليون قد تقدم فى نظرياته حتى بعد الإعلان السابق الذى صدر فى عام ١٨٢٢.
زار شامبليون مصر فى ١٨٢٨ وقضى بها عامان فى رحلة نيلية بدأها من القاهرة وحتى أبو سنبل ووادى حلفا. وكان معه نسخة من كتاب وصف مصر ليتمكن من مراجعة القراءة للنصوص المصرية.


وفى اول خطاب له أرسله لأخيه الأكبر عند وصوله إلى الإسكندرية قال:
« لقد وصلت إلى أرض مصر التى طالما تشوقت لها، لقد عاملتنى حتى الآن كأم حنون، من الواضح أننى سأحتفظ بها بصحتى، لقد شربت من مائها العذب وهذه الماء هى ماء النيل». وفى خطاب تال قال: «أننى أبارك أرض مصر عندما وطأت قدمى أرضها لأول مرة.. أننى اتحمل جيداً جوها الحار كما لو أننى ولدت بها».


 ومن بين من صاحبه فى هذه الرحلة الفنان والرسام المدعو سلفاتور شروبينى الذى ساعده فى نقل النصوص ورسمها لتنقل بعد ذلك فى كتابه عن اللغة المصرية القديمة وقواعدها. 
ومن صعيد مصر فى اليوم الأول من عام ١٨٢٩ كتب شامبليون إلى صديقه  داسيه قائلاً: «أننى فخور الآن وأذكر لك أننى فى نهاية رحلتى عبر نهر النيل من مصبه وحتى الجندل الثاني، يمكننى أن أعلن لك أن خطابنا عن أبجدية الهيروغليفية ليس به أية تعديلات، فقراءتنا سليمة وتنطبق بمنتهى الدقة على الآثار المصرية فى العصرين اليونانى والرومانى وكذلك – وهو الأهم ـ على نقوش كل المعابد والقصور والمقابر من العصر الفرعوني».


ويعتبر كتاب القواعد المصرية القديمة العمل الأخير من الأعمال العملاقة التى كتبها هذا الرجل العظيم. فقد مر هذا الكتاب بمراحل عديدة حتى ظهر فى شكله الأخير. وقد حفظ منه العديد من المسودات التى بدأت برسم العلامات على ورق شفاف يظهر فيه اليد البارعة للفنان شيروبينى ورسوماته الدقيقة للعلامات الهيروغليفية والتصويبات التى قام بها هذا الفنان وكذلك شامبليون نفسه. 


هذا الكتاب العظيم عن قواعد اللغة المصرية لم يترك شيئاً لم يتناوله فقد دقق فى القواعد وقارن العلامات الهيروغليفية بالعلامات المماثلة فى الخط الهيراطيقى والخط الديموطيقى، وشرح كيفية اختصارها، وأعطى المقابل القبطى واليونانى للكلمات المصرية.

ويقع الكتاب فى نسخته الأخيرة فى ٦٠٠ صفحة. وصدر بعد عامين من وفاة شامبليون. وكان قد قام بمراجعته عدة مرات وفى المرة الأخيرة وهو على فراش الموت جمع كل صفحات الكتاب وضمها إلى صدره وقال للحاضرين: «حافظوا عليه جيداً، إذ أتمنى أن يكون هذا العمل بطاقتى للأجيال القادمة كتب مقدمة هذا الكتاب الشقيق الأكبر لشامبليون جاك جوزيف شامبليون الذى كان دائما بجانب أخيه يسانده ويساعده. وقد صدر الكتاب فى عام ١٨٣٢ بينما توفى شامبليون فى عام ١٨٣٤. تاركا خلفه عملا عظيما استحق من أجله ما أطلق عليه من مسميات منها و»المصرى»، والعملاق».

اقرأ أيضا | من اللغة المصرية القديمة..تعرف علي علامة « مس»