جلال عارف يكتب: «مسافات».. قد تمنع الكارثة!

جلال عارف
جلال عارف

بالتأكيد.. دخلت الحرب فى أوكرانيا مرحلة بالغة الخطورة، مع تصاعد احتمال المواجهة المباشرة بين روسيا والغرب بعد أن كادت مرحلة «الحرب بالوكالة» أن تصل لنهايتها.

بالمقاييس العسكرية.. فإن قرار روسيا بإعلان التعبئة العسكرية الجزئية تأخر كثيراً.. فلم يكن ممكناً أن تستمر روسيا في هذه المواجهة مع خلل فادح بين قواتها على الأرض التى لا تتجاوز مائة ألف مقاتل بينما قوات أوكرانيا تبلغ أربعة أمثالها ينهال السلاح الغربى وتساعدها وسائل الرصد وأجهزة المخابرات القوية لدول «الناتو».

أما بالمقاييس السياسية.. فإن حسابات روسيا كانت تقوم على أن المعركة قصيرة، ولهذا أصرت على أن تسميها حتى الآن «العملية العسكرية الخاصة» تجنباً لإعلان الحرب رسمياً، وربما فى محاولة «فشلت بالتأكيد» لمنع تحول المواجهة الى مواجهة شاملة مع دول «الناتو» بزعامة أمريكا بكل ما يحمله ذلك من مخاطر.

وفى البداية كان يبدو لموسكو أن تقديرها صحيح بهذا الشأن، بدليل ما أعلنه بوتين فى خطاب التعبئة العسكرية قبل يومين من أن المباحثات مع أوكرانيا بعد بداية الحرب كانت على وشك الوصول الى اتفاق شامل، لكن الضغوط الغربية «الأمريكية أساساً» جعلت زيلينسكى يتراجع، ليغلق بعدها الرئيس بايدين أبواب التفاوض معلناً أن على العالم أن يعد نفسه لحرب طويلة.. وقد كان!!

وكان بوتين ـ رغم كل العقبات التى واجهتها قواته ـ يحاول تجنب استدعاء الاحتياطى لأنه يدرك تكلفة ذلك مادياً، وتأثيره على قطاعات كبيرة من الروس مازالت ترى أن ما بين أوكرانيا وروسيا لابد أن يحل بعيداً عن ميادين القتال.. ولهذا حرص على أن يؤكد أنه بذل كل شيء لتفادى التصعيد، ولكن المواجهة أصبحت مع الغرب كله الذى يحاول أن ينقل المعركة لداخل روسيا مستهدفاً تدميرها، ومؤكداً أن روسيا سوف تستخدم كل ما لديها ومن إمكانيات عسكرية ضد أى عدوان على أرضها.. علماً بأن الاستفتاءات التى تجرى فى بعض أقاليم أوكرانيا سوف تسفر بالتأكيد عن أن السكان فى 20٪ من أراضى أوكرانيا يريدون الانضمام الى روسيا!!

لغة التصعيد هى السائدة، والحديث عن الحرب النووية لم يعد غريباً، والصدام بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا يقترب من أن يكون مباشراً.. وإن بقيت مسافات صغيرة بين ما يجرى فى الواقع حتى الآن بين الصدام الكبير الذى لا يتحمل أطرافه! والعالم كله نتائجه الوبيلة.

فى الواقع.. فإن ترجمة قرار روسيا بالتعبئة العسكرية الجزئية لن يتحول الى حقيقة على الأرض إلا بعد بضعة شهور، وحتى حين يتحقق فإنه لا يعنى إلا تعادل القوى العسكرية البرية فى حرب أوكرانيا.. وتصريح الكرملين بأن ما يجرى على أرض أوكرانيا مازال فى نطاق العملية العسكرية الخاصة يعنى أنه مازالت هناك «مسافة» تبعد الصدام إذا تراجعت أمريكا وحلفاؤها عن استهداف هزيمة روسيا وبدأت البحث عن حل يحفظ مصالح الجميع.

والحل ليس بعيداً عن المنال.. بدليل أنه قد تمت الموافقة على عناصره الاساسية فى التفاوض بين أوكرانيا وروسيا.

بعد بداية الحرب، وقبل أن تسد واشنطن الابواب أمامه بعد أن وجدت فى الحرب فرصة لاستنزاف روسيا.. أو لتدميرها كما يقول «بوتين» لكن الطريق إليه صعب إذا استمر الجمود الحالى فى الجهود السياسية وغياب أى تفاوض حقيقى بين الاطراف الفاعلة فى الحرب، وربما تكون هناك بارقة أمل فى «المسافة» بين موقف روسيا والحليف الصينى الذى يدعو لإنهاء الحرب وربما تكون المهمة الأساسية الآن أن تستعيد أوروبا (وخاصة لقيادتها الألمانية والفرنسية) المسافة التى تفصلها عن الموقف الأمريكى لتكون مع الصين فاصلاً يمنع الحرب ويعيد الحياة الى اتفاق كان مطروحاً ومقبولاً من الجميع لإنهاء الحرب قبل أن يسمع العالم أن عليه أن يستعد لحرب طويلة.. وأن يدفع تكلفتها التى أصبحت فوق الاحتمال!!